كتبت رلى ابراهيم في “الأخبار”: هل دفن معدّو خطّة التعافي المالي الحكوميّة خطّتهم؟
منذ إيقاف صندوق النقد الدولي المفاوضات مع حكومة حسان دياب، بدأ نقاش خافت حول تعديل الخطة الحكومية وتطويرها،
فيما ذهب البعض الى الحديث عن خطة بديلة وبرنامج مختلف. وما بين هذا وذاك، انطلقت بعض الأحزاب في مفاوضات “غير رسمية” مع المصارف،
للتوافق معها حول أرضية مشتركة تنقذها من شطب كامل رأسمالها مقابل الاحتفاظ بجزء معيّن يساعدها على “إعادة النهوض”. يحصل ذلك رغم قيام هؤلاء أنفسهم بجسّ نبض مسبق مع الصندوق،
فأتاهم الجواب الصارم بالإصرار على شطب كامل الرساميل. اقتنع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالمسألة، فيما لا يزال بعض السياسيّين يطمحون للالتفاف على الصندوق “على الطريقة اللبنانية”.
فور تكليف مصطفى أديب بتشكيل الحكومة، برزت ورقتان اقتصاديتان، إحداهما تعود لحركة أمل، والأخرى للتيار الوطني الحر.
نصّت الأولى على إعداد خطة مالية جديدة للتفاوض مع صندوق النقد، متجاهلة خطة التعافي المالي بالكامل،
فيما أشارت الثانية الى ضرورة تطوير الخطة الحكومية. كان الرهان هنا على أن تحسم الحكومة المقبلة هذه المسألة،
وتعيد المفاوضات الى السكة الصحيحة، بما تحمله من غطاء دولي وإصرار على ربط كل المساعدات بصندوق النقد الدولي.
طارت الحكومة مع اعتذار أديب، فعادت الدفّة الى حكومة تصريف الأعمال،
علماً بأن التواصل بين ممثّلي حكومة حسان دياب والصندوق لم تتوقف؛ إذ تشير المصادر الى تواصل دائم بين الطرفين وإبداء الناطقين باسم الصندوق استعداداً دائماً لإعادة استئناف المفاوضات ما إن تذلل العقبات السابقة،
وأبرزها: أرقام موحّدة والبدء بالإصلاحات.
من جهة أخرى، وقبيل انفجار المرفأ بيوم، كانت الاجتماعات مفتوحة بين ممثلين عن الفريق الحكومي وفريق المصارف لـ”تقريب وجهات النظر”،
على أن تستلحق بلقاءات مكثفة في الأيام التي تلي، للوصول الى أرضية مشتركة حول طريقة توزيع الخسائر ومسألة إعادة رسملة المصارف والصندوق السيادي المعتزم إنشاؤه. عُلّقت هذه المبادرة نتيحة انفجار المرفأ والأحداث اللاحقة،
خلّلتها محاولة جمعية المصارف استجداء عطف «المجتمع الدولي» في الوقت الضائع، ظنّاً منها أنه يمكنها بهذه الطريقة الهروب من المسؤولية وأيضاً المضيّ بالاستحواذ على أصول الدولة. عملية «السطو» هذه أُحبطت هي الأخرى،
لا بقناعة من المصارف التي سبق لها أن استخدمت ودائع الناس بدم بارد في صفقاتها مع مصرف لبنان وفي توزيع الأرباح على المساهمين وزيادة ثرواتهم،
ولا بسبب الضغط السياسي المحلي، بل إثر ما سمعته، سواء من الفرنسيين أو قبلها من وفد صندوق النقد. فباتت على علم بأنّ أوّل شروط الصندوق غير القابلة للتعديل هو تحميل جزء من الخسائر الى المصارف.
وعليه، يقول أحد المعنيين بالملف إن «خطة المصارف التي تنص على التضحية بأموال الناس وتحييد ثروات أصحابها قد سقطت.
انتقلنا الى مرحلة أخرى هي مرحلة توزيع الخسائر». ووفق المصدر،
فإن الاستراتيجية الأولى قامت على تحديد أرقام الخسائر في كل قطاع للعبور الى الضفة الأخرى، أي طريقة توزيعها. لكن يبدو أن المقاربة تغيّرت، اذ يجري الاتفاق على كيفية توزيع الخسائر، ثم مناقشة الأرقام والنسب.
وصلت الرسالة الى المصارف، فباتت أكثر ليونة لناحية اقتناعها بتحمل الخسائر وموافقتها على الانتقال الى قيمتها. وذلك، وفق ما يقوله أحد أعضاء الوفد الحكومي المفاوض، «خرق مهم». فأحد أسباب توقف المفاوضات مع الصندوق هو «تعنّت المصارف بحماية وتغطية من لجنة تقصّي الحقائق النيابية، حيال ما سمّته حقها في الحفاظ على رساميلها وإصرارها على عدم تحمّل أي خسائر نتيجة تصرفها بالودائع». إذاً، الخرق الحاصل ليس سوى كسب موافقة ممثلي المصارف على تحمل جزء من الخسائر وشطب جزء من رساميلها. ما يعني أن التقدّم الفعلي لم ينجز بعد. فثمّة من لا يدير أذناً لشروط الصندوق، وثمّة من يصرّ على التحايل عليه «على الطريقة اللبنانية». لكن كل من سعى الى «جس» نبض الصندوق في ما يتعلق بإعادة رسملة المصارف، سمع كلاماً واضحاً عن ضرورة شطب كل الرساميل دفعة واحدة، أي ما يقدّر بـ 22 مليار دولار إذا ما احتسب مبلغ 33 ألف مليار ليرة على سعر صرف يوازي 1500 ليرة لبنانية. وبحسب أحد الخبراء الاقتصاديين، فإن قيمة الرساميل لن يجري تحديدها بأي حال من الأحوال وفق سعر الصرف القديم، بانتظار التوافق مع الصندوق على سعر الصرف لإعادة تقييم رأس المال المصرفي. الفارق هنا كبير، إذ تنخفض الرساميل من 20 ملياراً الى 8 مليارات وفق سعر صرف يوازي 4000 ليرة للدولار، و4 مليارات دولار على سعر صرف يوازي 8 آلاف ليرة للدولار. فكيف الحديث اليوم عن شطب نصف الرساميل والإبقاء على 10 آلاف مليار منها، إذا كان مجموع الرساميل لا يتجاوز 5 مليارات دولار؟ وعملياً، كل دولار لا يقتطع من رأسمال المصارف سيقتطع من ودائع الناس، او سيدفعه جميع دافعي الضرائب. لذلك، خطة المصارف وتبريرات لجنة تقصّي الحقائق ساقطة في حمايتها للرساميل تحت حجة حماية الودائع، لأنها وفق هذه الاستراتيجية، لا تحمي سوى أموال كبار المساهمين. وهنا، يقول رئيس أحد الأحزاب الكبرى: «ارتكبنا خطأ كبيراً بإعطاء المصارف هامشاً للتدخل في مصير البلد المالي، عبر عدم إعدادنا حلاً متكامل التفاصيل أولاً، ثم إجبار المصارف على السير به إنْ شاءت أو أبت». رغم ذلك، يخوض حزبه وغيره من الأحزاب، مفاوضات «غير رسمية» مع المصارف تحت عنوان الوصول الى اتفاق وسطي ما بين شطب كامل الرساميل وعدم المسّ بها نهائياً. يصرّ هؤلاء على تجاهل شروط الصندوق، بناءً على «توقعات» بإمكانيّة تليين تصلب الصندوق عبر اعتماد منطق أجنبي يقضي بترك 10% من قيمة رساميل المصارف حتى تتمكن من إعادة النهوض: «ستتم دراسة وضع كل مصرف على حدة، فبعضها لم يتورط بهندسات مالية ولا بعملية احتيالية لكسب فوائد عالية من أموال المودعين، وبعضها ميت أصلاً». بالتالي، تفترض بعض الأحزاب، ومنها التيار الوطني الحر وحركة أمل، أن الإبقاء على نحو 2 مليار دولار من رساميل المصارف بدلاً من عدم المسّ بها أو المسّ بنصفها فقط، يعدّ تنازلاً كبيراً. ويعوّل الحزبان هنا على إقناع الصندوق بما تقدّم على أنه تسوية سياسية – واقعية.
لقراءة المقال كاملا اضغط هنا