بقي لبنان أمس، تحت تأثير وضْع ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل على سكة التفاوض بوساطة أميركية ورعاية أممية من ضمن مسارٍ شاقّ يُنتظر أن يبدأ بعد 11 يوماً وفق الاتفاق الإطار الذي أُعلن عنه أول من أمس، بمضمونٍ حمّال أوجه، وسط انطباعٍ بأن هذا التطور المتعدّد البُعد والذي لا يمكن فصْله عن خطوط النار و«التبريد» على الجبهة الإيرانية – الأميركية سيعمّق «سبات» أزمة تأليف الحكومة الجديدة في انتظار انكشاف مدى قدرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على لملمة مبادرته التي تلقت صفعةً قويةً عشية كشْف «صفقة» الإفراج عن ملف الترسيم التي بدا أن عنوانها «البريدي» الرئيسي هو… واشنطن.
وفيما يدخل اعتذارُ الرئيس الذي كُلِّفَ تشكيل الحكومة العتيدة السفير مصطفى أديب اليوم، أسبوعه الثاني، شكّل التفاوض اللبناني – الإسرائيلي غير المباشر المرتقب «غطاءً» إضافياً لاستمرار محركات التكليف والتأليف مطفأة بالكامل في ظلّ ملامح رهانات داخلية على إمكان الاستفادة من المناخات الإيجابية على جبهة الترسيم للمزيد من تقويض «أساسات» المبادرة الفرنسية (حكومة مستقلين لا تسميّهم القوى السياسية وبأجندة إصلاحية صافية) ومحاولةِ استيلادٍ حلٍّ – بلا أفق قبولٍ دولي – بين «لاءين»: لا لحكومة تستنسخ تجربة تشكيلة «اللون الواحد» برئاسة حسان دياب التي أكملت العزلة الخارجية على لبنان، ولا لحكومة اختصاصيين مستقلين بالكامل أَحْبطها «حزب الله» بالمباشر بوصفْها تنطوي على محاولة للانقلاب على الأكثرية النيابية.
ومن هنا لاحظتْ أوساطٌ واسعة الاطلاع مؤشراتُ محاولةٍ لإرساء تَشابُكٍ بين الترسيم البحري وبين «المرْكب» الحكومي من ضمن لعبة «أخذ وعطاء» تستفيد مما عكستْه خفايا الاتفاق الإطار حول منطلقاتِ التفاوض اللبناني – الإسرائيلي غير المباشر من «دوْزَنَةٍ» للتراجعاتِ من طرفيْ النزاع، معتبرة أن توقيتَ لعب الثنائي الشيعي رئيس البرلمان نبيه بري وحزب الله ورقة الترسيم (أعلن بري أن الاتفاق الإطار منجز منذ يوليو) لا يمكن فصْله عن الحاجة داخلياً إلى ما يخفف الضغط الأميركي الأقصى على الحزب وحلفائه (الشيعة والمسيحيون) عبر العقوبات المتدحرجة بما يتيح هامشاً أوسع من التحرك والمناورة في الملف الحكومي التفافاً على المبادرة الفرنسية وانتزاعاً لمكتسبات إضافية للثنائي الشيعي في «نظام الأعراف» القاضمة للطائف وتوازناته، إلى جانب منْح إيران مفتاح «حلّ وربْطٍ» مع المرحلة الأميركية الجديدة بعد 3 نوفمبر (سواء عاد الرئيس دونالد ترامب أو فاز منافسه جو بايدن) ولو أن بري، أعلن «نقْل دفّة» إدارة هذا الملف إلى رئيس الجمهورية ميشال عون.
على أن الأوساط نفسها لاحظتْ أن الرسائل الأميركية الحازمة بعد تأكيد التفاهم على إطار المفاوضات البحرية عَكَستْ أن إدارة ترامب ماضية في سياسة «نزْع صندوقة البريد» والتشدّد الأعلى مع كل من إيران و«حزب الله»، وهو ما عبّرتْ عنه سريعاً الخارجيةُ الأميركيةُ والديبلوماسي ديفيد شينكر، الذي ستنطلق الجولة الأولى من المفاوضات في 14 الجاري مبدئياً في مقر «اليونيفيل» (الناقورة) بحضوره، إذ أعلن أنه «لن يتم التفاوض مع (حزب الله) نهائياً في ما يخص ترسيم الحدود، وواشنطن ستواصل فرض عقوبات على اللبنانيين المتحالفين مع الحزب أو الضالعين في الفساد».
المصدر: الراي الكويتية