جمود قاتل يلفّ الوضع الحكومي. اتصالات خجولة تخرق السكون الذي يحيط بالمقار الرسمية بعد سقوط ترشيح مصطفى أديب ومعه الجولة الأولى من المبادرة الفرنسية. وحدها الرحلة المشتركة التي ستحمل كلاً من رئيس الجمهورية ميشال عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب إلى الكويت لتأدية واجب العزاء، قد تكون فرصة لكلام مطوّل بين الرئاستين الأولى والثانية، ولو أنّ المشاورات الهاتفية بينهما لم تنقطع، في محاولة للاتفاق على أرضية مشتركة يمكن الشروع منها نحو التكليف.
في الوقائع، فإنّ عاملين اثنين استجدّا على المشهد الحكومي منذ سقوط ورقة أديب. أولهما محلي تجلى في الطرح الذي أطلقه رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، من خلال مبادرته الى ترؤس حكومة تكنوسياسية تضم أربعة عشر وزيراً اختصاصياً وستة وزراء دولة سياسيين. أما الثاني فله أبعاد اقليمية دولية وقد عبّر عنه إعلان الرئيس بري عن الاتفاق – الاطار لترسيم الحدود البحرية، واستكمال ترسيم الحدود البرية برعاية الأمم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة الأميركية.
وفق المعنيين، فإنّ اتفاق الاطار الذي تأخر الإعلان عنه لأسابيع، كما أكد بري، قد يكون مدخلاً لانطلاق السباق الحكومي بجولته الثانية، ولكن هذه المرة بضغوط أقل. فقد بات معلوماً أنّ تحديد التوقيت أخذ في الاعتبار روزنامة الانتخابات الأميركية، وقد جارى لبنان هذه الاعتبارات، لكونه هو أيضاً يبحث عن كوة تخرق جدار الأزمة، وهذا ما عبّر عنه المسؤولون الأميركيون فور الاعلان عن خبر الاتفاق، ليؤكدوا أنّ الخطوة قد تفتح باب الدعم المالي والاقتصادي للبنان.
عملياً، وحده موعد الاستشارات النيابية هو حجر زاوية الانطلاق في مسار التأليف، لدفع كل الأطراف إلى الإدلاء بدلوها والكشف عن أوراقها، من خلال تسمية مرشحها الجديد لرئاسة الحكومة. أما غير ذلك، فقد يبقى كل فريق في مكانه متسلحاً بالصمت بانتظار الحدفة التي سيقدم عليها الفريق الآخر. ولكن لا يبدو أنّ رئيس الجمهورية بوارد تكرار تجربة تسمية مصطفى أديب من دون تحصينه باتفاق شامل حول طبيعة الحكومة ومعايير تأليفها. ويفضّل أن تكون الجولة الثانية من المبادرة الفرنسية محمية باتفاق مسبق مع “الانتحاري” الجديد.
ولهذا مثلاً، سارع ميقاتي إلى حجز طرحه على الطاولة الحكومية على نحو استباقي، وهو يدرك جيداً أنّ نموذج أديب لن يتكرر سواء في ما خصّ طبيعة الأشخاص، أي مرشح من خارج نادي رؤساء الحكومات السابقين، أو في ما يتّصل بتركيبة الحكومة، خصوصاً وأنّ الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله حسم الانتقال إلى الجولة الثانية من المبادرة، بمعنى أن ّما سرى مع أديب لن يسري على من سيليه.
الأهم من ذلك، هو أنّ أياً من الأطراف، لا سيما من جانب شركائه في الرباعي السني، لم يسجل اعتراضه على طرح القطب الطرابلسي، وهو الذي يعرف أنّ الحكومة التكنوسياسية طرح يدغدغ حسابات كلّ من “التيار الوطني الحر” والثنائي الشيعي، وقد يفسحان المجال أمام مناقشتها مع صاحب المبادرة، ولو أنّ لقوى الثامن من آذار الكثير من الملاحظات على سلوك ميقاتي بشكل عام.
ولكن عملياً، في حال “نقشت” مع ميقاتي وتمكّن من تجاوز حاجز الممانعة السعودية، فهل سيعطيه الحريري مباركته ليكون بذلك قد سلّم السراي لغيره للمرة الثالثة على التوالي؟
فعلياً، يواظب ابن طرابلس على التأكيد أنّه متمسك بعودة الحريري إلى السراي، ولكن اذا أقبلت إليه الرئاسة فلن يقول لها لا، سيقول نعم ولكن… ثمة قواعد يضعها ميقاتي في حسبانه هي بمثابة خريطة طريق يعتقد أنها ستساعد على عبور المرحلة بأقل الأضرار الممكنة.
أولى تلك القواعد التي يريد من القوى السياسية احترامها، هو أن تحظى الحكومة بغطاء فرنسي ودولي وعربي مقبول، ثانيها أن تكون عبارة عن فريق عمل منسجم قادر على الاصلاح ومغطى من القوى السياسية المحلية، ثالثها أن تتمتع بالقدرة على الاتفاق مع الصناديق المانحة وتحديداً صندوق النقد الدولي.
وهنا لا بدّ من تسجيل ملاحظتين: أولاً، إنّ تحديد ستة وزراء سياسيين من جانب ميقاتي يعني أن يكون للثنائي الشيعي وزير سياسي واحد، والأرجح أن يكون لحركة “أمل”، وبالتالي قد يكون الطرح مخرجاً لائقاً لعدم تمثيل “حزب الله” على نحو فاقع. ثانياً، يعرف ميقاتي كيف يدوّر الزوايا ويقدم فريق عمل متجانساً يراعي فيه خصوصيات شركائه الحكوميين، ولو قال غير ذلك.
المصدر : نداء الوطن