كتب ريكاردو الشدياق في موقع mtv:
في الوقت الذي نشهد فيه على دق الأسافين الأخيرة في نعش “الطائف”، جالسنا رجل العهد الأوّل، فعلياً، بعد هذا الإتّفاق. فارس بويز، الذي مارس الدبلوماسيّة في أصعب مرحلة تبعت الحرب الأهليّة اللبنانيّة، مع سطوع نجم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يتكلّم اليوم في ضوء المعطيات المفصليّة الجديدة التي في حوزته، متشائماً جداً حيال الأيام القادمة.
لا يهضم بويز الأحاديث المتكاثرة في الوسطين السياسي والإعلامي عن نظام بديل عن “الطائف” سيُدير لبنان بعد هذه الأزمة، على اعتبار أنّ “كلما وصل البلد إلى اضطرابات بالحجم الذي يعيشها اليوم، وكلّما حلّ اليأس عند اللبنانيين، نشهد طروحات يتهرّبون عبرها من تشخيص المشكلة الحقيقيّة باتّجاه صِيَغ عجائبيّة، ومنها الفديراليّة، التي يجب أن تنطلق من الحياد والموقف الواحد للدولة في السياسة الخارجيّة، في الوقت الذي ينتمي كلّ حزب وطائفة إلى محور خارجيّ يتصارع مع الآخر، إن لصالح إيران وإن لصالح أميركا وفرنسا وسواها، ويأتمرون من هذه الدول مالياً وأمنياً وسياسياً”.
“علينا تحرير الطوائف من الإرتباطات الخارجيّة للعبور إلى نظام جديد”، يقول، والأسوأ من ذلك بالنسبة إليه أنّ “الفيدراليّة التي يتكلّمون عنها ستخلق، في ظلّ التركيبة الحاليّة، كانتونات متقاتلة، فنكون أمام كانتون سنّي وآخر شيعيّ، ودرزي، وآخر ماروني وأرثوذكسي وكاثوليكي، أمّا التقسيم فغير قابل للتطبيق جغرافياً”، سائلاً: “مَن قال إن سوريا ستقبل بدولة مسيحيّة على حدودها؟ ومَن قال إن إسرائيل تقبل بدولة إسلاميّة على حدودها في جنوب لبنان؟”.
“حزب الله”: الأزمة الكبرى
يجزم بويز أنّ “مبرّر وجود حزب الله واستمراريّته انتهى كلياً بعدما ضعفت حجّته في التمسّك بمزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والأسوأ أنّه لم يعدّل في وجوده بل أخذ يتمدّد ويسيطر على أجهزة الدولة أمنياً ومالياً وإدارياً، وأصبح ثقلاً كبيراً ابتلع المؤسسات ووضعها في حالة من الخطر وورّط النظام المصرفيّ بالعقوبات، وكشف الدولة أمنياً”.
يكشف بويز، لموقع mtv، أنّ “مسؤولاً كبيراً في “حزب الله” اتّصل به سائلاً إيّاه، على أثر أحد المواقف التي أطلقها: “هل على الحزب أن يأتمر بأوامر الدولة؟”، فأتى الجواب بأنّ “قوّة الحزب تكمن في بقائه منظمة مستقلّة كما وُلد في الـ1982، ولا يمكنكم أن تكونوا مقاومة لا تأخذ بعين الإعتبار الجيش والأجهزة الأمنيّة وقدراتها”.
وبناءً على المعلومات المستجدّة لديه، يكشف أيضاً أنّ “إسرائيل تُحرّك خلايا إرهابيّة على الساحة اللبنانية بهدف إغراق “حزب الله”، وذلك بدأ في الشمال، من كفتون، مروراً بالهجوم الذي حصل في المنية، وما يجري حالياً في القاع، عبر استعمال سلاح التطرّف الإسلامي الترهيبي وإعادة تفعيل المجموعات التكفيريّة في مناطق لبنانيّة عدّة”.
يُحذّر الوزير السابق من أنّ “باستطاعة “حزب الله” أن يُخفي نفسَه بأساليبه وإمكاناته الأمنيّة لحماية نفسه الضغوطات والعقوبات، أمّا الدولة فلا يُمكن أن تُخفي القصر الجمهوري ووزارة الدفاع والثكنات العسكريّة والمؤسسات الخدماتيّة”، مُفيداً بأنّ “لسلاح الحزب وذخيرته علاقة بالإنفجار في مرفأ بيروت”.
الإقتصاد المتفجّر
“جنّهم” التي تكلّم عنها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ستستفحل أكثر، مع مرور الشهرين المقبلين، ينبّه بويز، حيث “لن تتمكّن الدولة من دفع رواتب موظّفيها، من عسكريين وأمنيين ومدنيين في الوزارات والإدارات، الأمر الذي سيأخذنا جميعاً إلى الفوضى، حتّى أنّ البيئة الشيعيّة التي يمثّلها “حزب الله” لن تصمد أمام الوضع الآتي، وعليه أن يُدرك ألاّ مفرّ إلاّ باللجوء إلى المنظّمات الدوليّة، وفي مقدّمتها صندوق النقد الدوليّ، خصوصاً أننا عدنا إلى مرحلة تحليق سعر صرف الدولار”.
مضبطة الفساد
إلغاء السريّة المصرفيّة عن الجميع في هذه المنظومة السياسيّة وليس فقط عن السياسيين والقضاة، هو الحلّ، بالنسبة إليه، و”على هذه الخطوة أن تشمل الموظّفين بمختلف درجاتهم في الدولة، فعمليّة المحاسبة لا يُمكن أن تتمّ من دون إلغاء هذا القانون الذي أدّى إلى وقف المساعدات الماليّة للبنان نتيجة انعدام الثقة الدوليّة بالطبقط الحاكمة، فذلك يمنع محاسبة ايّ متورّط بالفساد لأنّ هناك وزراء يتلقّون الأموال من حسابات أخرى تابعة لمقرّبين وأقرباء وأصدقاء”، مضيفاً: “إلغاء السريّة يكشف الاحزاب مالياً، خصوصاً تلك التي تتلقّى الأموال من دول خارجيّة”.
عن ميشال عون
“هو رئيس لا يحكم، وعهده بُليَ بالفساد المالي الكبير، بعدما أتى بموجب صفقة تقوم على معادلة “عرقلوا الإنتخابات لسنتين ونص وجيبوني رئيس لأعطيكن كل شي بلبنان”، فأصبح رهينة “حزب الله” وسقطت شعبيّته، وإذا بقيَ في القصر الجمهوريّ فلن يتلقّى لبنان أيّ مساعدة خارجيّة وسيصل الغضب الشعبي إليه، وإذا لم يُفسح المجال لمجيء غيره من خارج المعادلة التي أتت به لن يتعاطى معنا أحدٌ وسنصبح دولة فاقدة للشرعيّة لأنّ الغرب والخليج لا يثقان بدولة يُديرها ميشال عون ومعادلته المرهونة”.
يختم بويز جلسته معنا بالقول: “لا حلّ الآن في لبنان، والأمور ذاهبة إلى المزيد من التأزّم على المستويات كافّةً… علينا الإنتظار أكثر من 6 أسابيع، وإذا بقي دونالد ترامب في البيت الأبيض، نكون أمام خيارين: إمّا تجرّع التسوية مع إيران أو المواجهة الأميركية – الإيرانيّة، لننتظر”.
كتبت نسرين مرعب في “أساس ميديا”:
في الكلمة التي ألقاها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتايناهو أمام الأمم المتحدة، تعمّد الالتباس في الكلام عن التفجيرات التي حصلت في لبنان وهي حتى الآن اثنان، الأوّل هو انفجار مرفأ بيروت، والثاني في عين قانا في الجنوب. أما المقبل من التفجيرات، فهو في ضاحية بيروت الجنوبية حيث حدّد نتانياهو وبدقّة على خريطة واضحة المعالم والنقاط الحمر أين ستكون التفجيرات. لا يهمّ ما فعله الحزب من كشف على المواقع المحدّدة أمام الإعلاميين، إذ إنّه لا ينكر وجود الصواريخ الدقيقة إنما في جغرافيا مختلفة على حدّ تعبير السيد حسن نصرالله في كلامه بالأمس. الأهم أنّ الالتباس الذي تسبّب به كلام نتنياهو عن المواقع يؤشّر إلى احتمالين الأوّل أنّه منجّم تستعين به المخابرات الإسرائيلية لكشف نقاط الضعف والإهمال في المخازن العسكرية للحزب والمرشّحة للانفجار. أو أنّه يعرف بالضبط أين ضربت اسرائيل أو افتعلت بسبب عملائها انفجار المرفأ وعين قانا. وتحديده للمواقع الجديدة هو إعلان بأنّها من الأهداف المستقبلية للتفجير الإسرائيلي، كما أنّ في التحديد هذا رسالة إنذار إلى الحزب “سنفجّر مواقع جديدة لمخازنكم العسكرية لأنّكم تعرفون أننا نعرف مواقعها”، وليس بالضرورة أن يكون العنوانان المعلنان من قبله هما الهدف.
الزميل وسام سعادة له نظرية أخرى، لا تخلو من الطرافة، وهي اعتباره أنّ نتنياهو ربما يكون ناشطاً و”باحثا أكاديمياً يحذّر من مغبة الاحتفاظ بالمواد التفجيرية في الأماكن السكنية”.
الاعتراف غير المباشر لنتانياهو، بهذه الجريمة المروّعة “المرفأ”، والتي هي “جريمة ضد الإنسانية”، يطرح تساؤلاً حول إمكانية محاسبة إسرائيل ومحاسبة نتانياهو وفريقه، ومن هي الجهة المخوّلة لاتخاذ خطوة كهذه؟
الخبير في القانون الدولي والدستوري الدكتور شفيق المصري أكّد لـ”أساس”، أنّ “الجريمة ضد الإنسانية في القانون الدولي هي إحدى الجرائم التي يمكن أن تنظر فيها المحكمة الجنائية الدولية”، موضحاً أنّ ” هذه المحكمة لديها دليل على جرائم ضد الإنسانية، كجرائم الحرب وجرائم العدوان. وهي لا تخرج تالياً عن هذا الدليل الذي هو ميثاق روما”.
وأشار المصري إلى أنّ “المحكمة الجنائية وفق اختصاصها، تقاضي فقط الأفراد، وليس الدول، ولا تنظر بأيّ دعوى من تلقاء نفسها، إذ يجب تقديم دعوى من قبل المشتكين أمام هذه المحكمة”.
ووفق المصري فإنّ “الجرائم ضد الإنسانية هي أكثر مما حصل في الرابع من آب في الواقع. والمحكمة تنظر وفق الدليل، وهذا مكتوب في ميثاق روما، بعد تقديم شكوى من الجهة المستهدفة”.
فهل على الدولة اللبنانية تقديم شكوى إلى المحكمة الجنائية؟
يجيب المصري: “الدولة اللبنانية عليها أولاً أن تشارك في المحكمة، فلبنان لم يدخل في عضوية هذه المحكمة. أما الهيئات الأخرى الدولية كمحكمة العدل ومجلس الأمن، فلا تنظر في دعوى الأفراد وإنّما الدول فقط. ولذا، يجب على لبنان أولاً أن ينتسب إلى المحكمة حتّى يحقّ له تقديم دعوى”.
ويوضح المصري أنّه “سبق للمحكمة أن أدانت بعض المسؤولين في دول معيّنة، ولاسيما دولاً أفريقية، لكن في النهاية، كلّ شيء خاضع للتسويات الدولية. وهنا لدينا مسألة رئيس السودان عمر البشير الذي أدين في المحكمة الجنائية الدولية، ولم يحصل بحقّه أي تحرّك دولي، حتّى وقع الانقلاب عليه من قبل السودانيين”.
وفي الختام يؤكد المصري أنّ “آلية هذه المحكمة معقدة، فالسلطة الفلسطينية انضمت إليها وقدمت شكوى، ونظرت المدعية العامة في هذه الشكوى، ولغاية اللحظة وبعد مرور سنوات لم تبتّ المحكمة بأيّ شيء ضدّ إسرائيل في جرائم غزة”.
في المقابل، يوضح المحامي والخبير الدستوري سعيد مالك لـ”أساس”، أنّه “حتى اليوم لا يمكن اكتشاف ما إذا كان تفجير مرفأ بيروت هو عملية مدبّرة أو نتيجة اعتداء، أو نتيجة خطأ أو إهمال أو فساد، فهذا يتوقف على التحقيق الجاري اليوم أمام المحقّق العدلي، والذي سيثبت السبب”، مضيفاً: “في حال اعتبر مبدئياً أنّ اسرائيل هي خلف هذه النكبة، وأنّها هي من ارتكبت هذا الفعل، فإنّ تعريف الجريمة ضد الإنسانية اليوم، هو تعريف يختلف عما حصل في الرابع من آب. لأنّ الجريمة ضد الإنسانية لها شروط خاصة ومتميّزة عن باقي الجرائم. الجريمة ضد الإنسانية هي الجريمة الممنهجة والمتتابعة والتي يصار إلى تنفيذها على دفعات وضمن إطار مبرمج كما حصل في أنغولا. فالجرائم العنصرية مثلاً تعتبر جرائم ضد الإنسانية, أما جريمة أو أضرار أو انفجار نتج عن اعتداء، فلا يعتبر جريمة ضد الإنسانية وإنّما جريمة دولية، وبالتالي يقتضي محاكمة إسرائيل وتحويلها إلى محكمة خاصة يقرّر إنشاؤها من قبل مجلس الأمن الدولي”.
المصدر: Agencies