قرأ جيدًا الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون ما بين سطور الرسالة التي أراد “حزب الله” إيصالها لمن يهمه الأمر، وأدرك من خلال التجربة مع الرئيس مصطفى أديب أن لا شيء يمشي في لبنان إن لم يكن للثنائي الشيعي رأي أساسي في كل شاردة وواردة، وبالتالي إذا لم يكن “حزب الله” شريكا فاعلا في السلطة وفي إدارة شؤون البلد، وأن ما لم يقبله مع الرئيس المكّلف المعتذر لن يقبله مع غيره، أيًّا يكن هذا الغير، وأيُّا تكن الظروف، محلية كانت أم إقليمية أم دولية، وهو أثبت من خلال فائض القوة التي لديه أنه رقم صعب من المستحيل تجاوزه.
ولأن ماكرون فهم أصول “اللعبة” السياسية في لبنان وأدرك أن المطالبة بوزارة المال والحق في تسمية الوزراء الشيعة لم يكونا السبب المنطقي الذي أطاح بالمبادرة الفرنسية في توقيتها الصعب، إذ لا يُعقل أن يكون ذلك سببًا رئيسيًا لترك البلاد تدخل إلى “جهنم” من بابها العريض، ولأنه عرف تمام المعرفة السبب الحقيقي أعطى مهلة جديدة لمبادرته، وحددّها بمهلة ستة أسابيع، أي بعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية، وهو السبب المباشر الذي حدا بالثنائي الشيعي وبالتحديد “حزب الله” إلى عرقلة مهمة مصطفى أديب، الذي لم يجد سوى الإستقالة بعدما لمس إصرارًا من قبل الخليلين على الشروط، التي كانا يعرفان سلفًا أن الرئيس المكّلف لن يقبل بها ولن يرضخ لأي شروط مسبقة لا تدخل في هامش قناعاته وتصوره للحكومة التي كان يريد لها أن تبصر النور، وهي تركيبة لا علاقة لها، لا من قريب ولا من بعيد، بأي حزب من الأحزاب اللبنانية، التي لها حساباتها التي تختلف مع جوهر حساباته.
وإستنادًا إلى هذه المعطيات فإن أي كلام عن إمكانية قيام حكومة، أيًّا يكن شكلها، هو كلام في غير محله، وأن من كان وراء تطيير تجربة أديب الفريدة يبدو أنه غير مستعجل، وكأن البلاد تعيش أفضل أيامها، وهو ينتظر بفارغ الصبر موعد الثالث من تشرين الثاني المقبل ليبني على أساس نتائج الإنتخابات الاميركية إستراتيجيته المقبلة، سواء أعُيد إنتخاب دونالد ترامب لولاية جديدة أم فاز جو بايدن، ولكل من هذه الإحتمالات سيناريو معدّ سلفًا، على أن يبقى الوضع اللبناني الداخلي على جموده.
وما يزيد الجمود جمودًا المساعي التي يقوم بها فريق 8 آذار لجهة تفعيل دور حكومة تصريف الأعمال، بحيث تنتقل من مجرد تصريف أعمال إلى منحى آخر من الممارسة غير القانونية، وذلك إمعانًا في توتير الأوضاع ودفعها إلى المزيد من التأزم، وكأن هذا الفريق يعلن فعل “توبة” لإسقاطه حكومة حسّان دياب، التي كانت منسجمة في خياراتها مع المواقف المعلنة لأحزاب السلطة.
ومنذ هذا التاريخ حتى الثالث من تشرين الثاني، مرورًا بالذكرى الأولى لقيام “الثورة الشعبية”، يدخل البلد في حلقة جهنمية سيكون عنوانها المزيد من التدهور الإقتصادي والمزيد من القهر والحرمان اللذين يعيشهما المواطن اللبناني، الذي لا أحد من السياسيين يحسب له حسابًا.