لكلّ واحد أن يقرأ خطوة الرئيس الحريري على طريقته ويقيّمها وفقًا لمعاييره. إلّا انه لا يمكن لاحد ألا ان يقرّ بأن حسابات الشيخ سعد لم تطابق بيدر المصلحة الوطنية، منذ استلامه رسميًا السلطة في لبنان حيث بدا دائما مسيّرًا لا مخيرًا في قراراته، خاضعًا لكل الاعتبارات إلّا مصلحة الوطن.
ففي عام 2005 جرّه وليد جنبلاط الى الحلف الرباعي، فكان تسونامي برتقالي، وعام 2008 دفعه البَيك نفسه الى مهوار القرارات المتسرعة، فكان 7 ايار المجيد واتفاق الدوحة، وهكذا “جرجرت” الامور معه من مصيبة الى كارثة ومن “مهوار” الى “مهوار”، مشوار بعد مشوار، كلها بحجة المصلحة الوطنية، حتى خسر تحالف ثورة الارز كل المكتسبات وفوقها “الدعم” الاميركي والدولي، فكان تراجع الازرق بوابة لتقدّم الاصفر ولفّ لفه.
الى ان أقرّ الشيخ، خلافًا للشرع والشريعة، في رحلة انتحاره السياسي بتجرّعه كأس سم، بات واضحًا انه سيضعه خارج الحياة السياسية، مع ضربه لمصداقيته في الشارع، منسحبًا طوعًا من الصورة، ليسقط احد أعمدة السداسي المتحكم طوعًا، فاتحًا المجال لوريثه الشيخ بهاء الذي أشرف عل انهاء برنامجه واعلانه مع نهاية السنة.
انه قدَر بيت الوسط ان تقطع لها دائما “التكت وان واي”، ذهاب دون إياب، قبل ان يعود ساكنه مكسور الجناح معللاً نفسه بالمصلحة الوطنية والتضحية وما اليها من تعابير ومفردات حفظها عن ظهر قلب من لقاءاته واجتماعاته “باخوانه في الممانعة”، وليكتشف جمهوره ان المصلحة شخصية، لتحصيل مال من هنا او لفلفة ملف من هناك وبينهما تمرير صفقة وتقاسم غنائم.
غير ان ما زاد من “بلة” الشيخ سعد “طين” الشيخ احمد، الذي حاولت والدته التمايز عن مواقف ابن اخيها المتصلبة امام مرجعية رئاسية، قبل ان يعود الاخير الى “بيت الطاعة”. فتغريدة امين عام المستقبل لم تقنع “لا الكبير ولا الصغير ولا المقمط بالسرير” من انصار المستقبل والشارع السني قبل ان نوسع “البيكار” الى الشوارع الاخرى.
وليكتمل “نقب سعد في الزعرور” جاءه الرد المباشر من الملك سلمان، ليخرجه من المباراة، بل ليمنعه من اللعب نهائيًا، في الوقت الذي كان فيه الشيخ بهاء يهلل لموقف الرياض، اذ اكد خادم الحرمين الشريفين ان” حزب الله الإرهابي سيطر على اتخاذ القرار في لبنان بقوة السلاح وعطّل المؤسسات الدستوريّة”. كلام واضح وصريح لا يحتاج الى تأويل او شرح، تسقط معه كل مبررات الشيخ احمد، لان “تقريش” تصريح “جلالته طال عمره طال” يعني “بالمشبرح” لا إفراج عن المساعدات الخليجية والاميركية، وبالتالي،”اكل البسكويت والكرواسان الفرنساوي” اوصل الملكة ماري انطوانيت الى المقصلة سابقًا، وهو ما ينتظر رئيس حكومتنا السابق. فهل أخطأ الامير محمد بن سلمان يوم افرج عن ضيفه اللبناني كرمى عيون صندوق ماكرون الاستثماري؟ “الضهرة هالمرة بلا رجعة” ولن تشفع بالعودة لا مطالبة رئاسية ولا نبوءة عبد اللطيف.
وللتذكير ايضا فإنه عام 2004 زار الرئيس جاك شيراك لبنان ملقيًا خطبته الشهيرة من على منبر مجلس النواب، وسط “سكرة” نواب الحزب والحركة ولفّ لفهم من ممانعين ومقاومين، و” فكرة” المعارضين للاحتلال السوري، مبشرًا بضرورة بقاء دمشق وهيمنتها، فيما كان يطبخ اميركيا التحضير لطردها على نار “قرنة شهوان”. موقف لم يطل التمسك به قبل ان يعود عام 2005 ليقف امام ضريح الرئيس الشهيد بمواقف مغايرة تطابق ما لدى واشنطن. تبقى العبرة لمن يريد ان يتعظ.
انه غيض من فيض حب “الام الحنونة”، فهل من لبيب يفهم الاشارة؟
فعلى الرئيس اديب التّمسك بموقفه وعدم المساومة والانجرار وراء ألعاب البعض السياسية، لان التنازل اليوم والتراجع سيجعله حسان دياب رقم 2 وبالتأكيد ستنتهي الى نهاية اسوأ بمرات. فمصلحة لبنان العليا باتت واضحة بالخروج من محور الممانعة وهيمنة اطرافه، سواء “بالمنيح او القبيح”.
المصدر: ليبانون ديبات