كتب غسان ريفي في “سفير الشمال” : يوما بعد يوم تتضح معالم الخلاف الأميركي ـ الفرنسي حول لبنان، فلكل من الادارتين نظرتها حول دوره وحضوره في المنطقة، فضلا عن كيفية الاستفادة منه في بعض المشاريع السياسية التي تهم كل منهما.
لا يختلف إثنان على أن ما تريده أميركا من لبنان هو إضعاف حزب الله الى حدود القضاء عليه، بهدف ضمان أمن إسرائيل ومساعدتها على منافسة هذا البلد الصغير على الخدمات سياحيا وتجاريا ومصرفيا، وذلك بغض النظر عن التداعيات التي يمكن أن تلحق باللبنانيين الذين لمسوا أن هذا الأمر بدأ يتحقق بفعل الحصار الذي فرضته أميركا على لبنان تحت ذريعة سيطرة حزب الله على مؤسسات الدولة، والذي أدى الى الانهيار الاقتصادي والمالي وتراجع كل القطاعات، وجاء إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي ليزيد الطين بلة ويفتح شهية العدو على طرح مرافئه كبدائل.
أما فرنسا فترتبط عاطفيا مع لبنان البلد الفرنكوفوني الذي ساهمت في تأسيسه قبل مئة عام وكانت له بمثابة “الأم الحنون”، وفي الوقت نفسه فإنها تتطلع إليه كبوابه على الشرق الأوسط للمصالح الفرنسية ونقطة نفوذ تحتاجه، لذلك فإن ثمة جدية فرنسية في السعي الى إنقاذ لبنان، وليس خافيا على أحد الضغط الذي مارسه الرئيس ماكرون على الرئيس ترامب لتخفيف الحصار على لبنان وصولا الى القبول بالمبادرة الفرنسية على “مضض” وفق شروط وأهداف محددة لم يلتزم فيها ماكرون لا سيما لجهة “الاستلطاف” الذي ظهر واضحا مع حزب الله.
يبدو واضحا أن ثمة تنافس محموم فرنسي ـ أميركي في لبنان، ما يجعل اللعب على المكشوف ضمن “مستطيل” تتوزع فيه القوى السياسية اللبنانية خلف الفريقين اللذين يخوضان “مباراة” من شأنها أن تحدد مصير حكومة مصطفى أديب.
الفريق الفرنسي نجح في إنهاء “الشوط الأول” لمصلحته بتكليف مصطفى أديب تأليف الحكومة وتأمين شبه إجماع سياسي عليه، وحاول الاسراع في إنهاء الشوط الثاني بعملية التشكيل قبل أن يدخل عليه الأميركي بخطة “العقوبات” على وزيرين سابقين من مكونين سياسيين أساسيين، أعطته أفضلية التعطيل، وجاء كلام وزير الخارجية مايك بومبيو وإتهامه لفرنسا بأنها “تتعاطى مع حزب الله كمكون سياسي بينما تصنفه أميركا إرهابيا” ليكشف النوايا الأميركية التي أدت الى تراجع فرنسي تكتيكي وطلب “وقت إضافي” تحت عنوان “التريث” للتفتيش عن مخارج تؤكد بما لا يقبل الشك إصرار الفرنسيين على إتمام مبادرتهم وعلى تشكيل حكومة تساهم في إنقاذ لبنان وتستعيد ثقة المجتمع الدولي به.
تشير المعطيات الى إتجاه فرنسي لتمديد فترة “التريث”، ولو وصل الأمر الى اللجوء لـ”ضربات الترجيح” مع الأميركيين، خصوصا أنها تعطي الفرنسيين الأفضلية إنطلاقا من علاقاتها المميزة مع أكثرية القوى السياسية التي لن تتوانى عن حراسة “مرماها” والتصدي لأية أهداف أميركية جديدة قد تؤدي الى مزيد من العرقلة والتهديد بالذهاب بلبنان الى الهاوية.
ساعات حاسمة ستكون أمام لبنان بانتظار نتيجة “ضربات الترجيح”، فأميركا تسدد إنطلاقا من مصالحها الخاصة ومصالح إسرائيل، من دون أن تقيم أي إعتبار لما يمكن أن يحصل من تداعيات كارثية في حال فشل المبادرة الفرنسية أو إفشالها، وفرنسا تسدد باتجاهين متوازيين الأول إنقاذ لبنان الذي يهمها، والثاني تثبيت نقطة نفوذ لها في الشرق الأوسط عبر بوابته، لذلك تبدو أكثر إصرارا على إنجاح مبادرتها، وإقناع الأطراف اللبنانية بتسهيل مهمة مصطفى أديب، خصوصا أن أي “شغب لبناني” على هذه المبادرة سيصب حتما في خدمة التوجه الأميركي.