على رغم الإلتباسات الحاصلة في موضوع تشكيل الحكومة، التي إعتقدنا أن ولادتها لن تكون قيصرية، لم ييأس الفرنسيون وقد أعطوا اللبنانيين فرصة أخيرة، حُدّدت نهايتها على أقصى حدّ بيوم الأربعاء المقبل، وذلك إفساحًا في المجال أمام إتصالات ربع الساعة الأخير، قبل أن يرفع الرئيس ماكرون “العشرة”، ويقول للمسؤولين، الذين اثبتوا بالحسّ والبرهان أنهم غير مسؤولين، هذا بلدكم وليس بلدي. إذهبوا وقلعّوا شوككم بأيديكم. أردنا أن نساعد فلم تريدوا المساعدة. تحمّلوا نتيجة ما ستؤول إليه أوضاع بلدكم.
فإذا لم تنجح إتصالات الساعات الأخيرة، ولم تُسهّل مهمة الرئيس المكّلف في تشكيل حكومة على غير ما كانت عليه سابقاتها، أي أن لا دخل للأحزاب فيها، لأن من جرّب المجرَّب لن يكون عقله مخرَّبًا وحسب، بل يكون بلا عقل بالمرّة، فإن ثمة “سيناريو” ينتظر لبنان، وهو “سيناريو” إفتراضي، وقد يكون من بين “السيناريوهات” الأسوأ منذ قيام لبنان، بشقّيه القديم والحديث، على رغم كل المحن التي مرّ بها، وبالأخصّ في السنوات العجاف الأربع الماضية.
بعد الأربعاء، وإذا لم يقتنع الثنائي الشيعي بالعرض الفرنسي القائم على مبدأ تدوير الزوايا، بحيث لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم، أي أن يسمي هذا الثنائي من يقترحه من أسماء لكي يختار الرئيس المكّلف ما يراه مناسبًا مع تركيبته الحكومية من دون أن تؤول وزارة المال إلى الطائفة الشيعية، وذلك قطعًا للطريق من أمام الطوائف الأخرى، التي ستطالب بدورها بالحصص التي تناسبها، أي أن لا مداورة ولا من يحزنون، فإن الرئيس المكّلف يفضّل الإعتذار مئة مرّة على أن يقبل بحكومة لا تختلف عن سابقاتها بشيء، لا في الجوهر ولا في الشكل.
فإذا إعتذرالرئيس مصطفى أديب بعد أن يقول “اللهم إني قد بلغّت”، فإن لبنان سيدخل في المجهول المعلوم، وسيتعذر بعد ذلك الإتفاق على “فدائي” ليقبل بتكليفه تشكيل حكومة جديدة. وفي حال تم التوافق على إسم جديد، وهو أمر مستبعد، فإن تشكيل الحكومة يبدو من رابع المستحيلات إذا بقيت المواقف على ما هي عليه، وإما أن تّشكل حكومة تشبه حكومة حسّان دياب، أي”مطرحك يا واقف”.
الأخطر من كل ذلك أنه وفي الوقت، الذي تمّ فيه التوافق على إسم الدكتور أديب لتولي مهمة تشكيل الحكومة، ثمة من كان يرّوج بأن الحكومة لن تبصر النور قبل الإنتخابات الأميركية في الرابع من تشرين الثاني المقبل، من ضمن مسلسل إقليمي قائم على الصراع الأميركي – الإيراني، مع ترجيح طهران عدم التجديد لترامب ولاية جديدة وفوز منافسه جو بايدن، مع أن من يقرأ جيدًا في كتاب السياسة الخارجية الأميركية يقرّ بأن التغيير في النهج والمنحى لن يكون سريعًا كما يتمناه البعض.
وهنا تكمن الخطورة، بحيث يعاد ربط لبنان بسلسلة أزمات المنطقة، مع أن الوضع الداخلي المهترىء لا يمكنه الإنتظار حتى إتمام صفقة التسويات بين واشنطن وطهران.
في المقابل ثمة مراهنون على الدور الفرنسي، وهم كثر، على رغم المطبات والصعوبات الكثيرة، يرون أن صوت العقل سينتصر في النهاية، وستكون الغلبة للحكمة والبصيرة المتنورة، التي تعلو على مصالح الطوائف، لأنهم يعتبرون أن المبادرة الفرنسية هي آخر الفرص للإنقاذ.
المصدر: لبنان24