كسر رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري “الصمت” الذي لاذ إليه منذ تفجّر “عقدة” حقيبة المال، متّخِذاً صراحةً موقفاً “مناهضاً” للثنائيّ الشيعي، جازماً أنّ وزارة المال ليست “حقاً حصرياً” لأيّ طائفة، ومحذّراً من “انتهاك” ما وصفها بـ “الفرصة الأخيرة” لإنقاذ لبنان.
قد لا يكون كلام الحريري الصريح هذا مفاجئاً، فقد فعلت التسريبات السابقة له فِعلها، والتي غذّتها الأجواء “السلبية” التي طبعت لقاءه الأخير برئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، والذي لم يُفضِ إلى أيّ نتيجة، بل تشير الكثير من الروايات إلى أنّ “الأستاذ” خرج منه “ممتعضاً”.
لكنّ كلام الحريري بدا في مكانٍ ما، تثبيتاً للموقف وتأكيداً للمؤكّد، في عزّ “الانتفاضة” التي يقودها بري، بمُعزَلٍ عن “أحقّيتها”، على ما يعتبره “حقاً مطلقاً” للطائفة الشيعية، ما يطرح علامات استفهام عن “مصير” العلاقة بينه وبين برّي، الذي سبق له أن أعلن مساندته للحريري، “ظالماً أو مظلوماً”.
“نكران للجميل”؟!
لم تنزل “تغريدة” الحريري برداً وسلاماً على “الثنائي الشيعي”، وإن لم تخرق سقف “التوقعات”، بعد كلّ ما أثير في الأيام القليلة الماضية، والذي وصل بجمهور “الثنائيّ” إلى حدّ اتهام الحريري، لا بـ “نكران الجميل” فحسب، ولكن قبل ذلك، بـ “التفريط” بعلاقته مع برّي، مع علمه وإدراكه بأنّها كانت “الحصانة” له في الكثير من المراحل المفصليّة.
ويقول بعض المقرّبين من برّي والمحسوبين عليه، إنّ الأخير لم يكن ينتظر من الحريري ربما أن “يخوض” المعركة نيابةً عنه، كما فعل “الأستاذ” في الكثير من المحطات، وخصوصاً في ظلّ حكومة حسّان دياب، يوم اتُهِم بـ “تمثيل” قوى المعارضة، والحريري على رأسها، في الداخل، ولكنّه كان يتوقع منه بالحدّ الأدنى، موقفاً “تضامنياً”، أو في أسوأ الأحوال، “نأياً بالنفس” فقط لا غير.
لكنّ بري الذي سبق له أن أعلن استعداده لتقديم “لبن العصفور” للحريري، وبذل كلّ ما استطاع في سبيل “ضمان” عودته، أو من يسمّيه، إلى السراي، فوجئ بموقف رئيس تيار “المستقبل” المتشدّد، والذي أوحى لكثيرين بأنّ “الثنائيّ” هو من يضع العصيّ في دواليب المبادرة الفرنسية، وهو بالتالي من “يُسقِط” الفرصة الأخيرة الممنوحة للبنان، ويشرّع البلاد أمام الفوضى والفراغ، وما بينهما من مجهولٍ وهاوية.
“قصّة مبدأ”!
انطلاقاً ممّا سبق، يبدي المقرّبون من بري “خيبتهم” من أداء الحريري، على رغم أنّه كان يستطيع الوقوف على “الحياد”، باعتبار أنه ليس الرئيس المكلَّف، وبالتالي ليس مضطراً أن يكون “بوز المدفع”، “خيبةٌ” تزيد من وقعها “الشماتة” التي لجأ إليها البعض في قوى “8 آذار” ممّن وجدوا في الأمر مناسبة لـ “لوْم” بري على التفريط بهم، “كرمى لعيون” الحريري، وإذا بالأخير “يخذله” عند أول مفترق.
لكنّ مثل هذه القراءة تنطوي على “تضخيمٍ مُبالَغٍ به”، وفقاً لرواية تيار “المستقبل”، الذي يقول بعض المحسوبين عليه إنّ تحرّك الحريري مع بري، ودخوله على خط الاتصالات حول “عقدة” حقيبة المال، انطلق أساساً من العلاقة “المتينة” التي تجمعه به، وبالتالي “المَوْنة” التي قد تكون لديه لعلّه ينجح في “إقناع” رئيس المجلس بفكرة “المداورة” التي لا بدّ أن تشمل حقيبة المال كغيرها، وإلا سيُفتَح الباب أمام تمسّك الجميع بحقائبهم، علماً أنّ بعض التسريبات وصلت إلى حدّ القول إنّ “التيار الوطني الحر” مثلاً لن يقبل بالتنازل عن “الطاقة”، وهي بيت القصيد، إذا ما بقيت “المال” في جيب “الثنائيّ”.
ويشدّد المحسوبون على الحريري على أنّ المسألة “قصّة مبدأ” بالدرجة الأولى، خصوصاً أنّ “المداورة” شكّلت عنواناً أساسياً للمبادرة الفرنسية، لكن لاتفاق الطائف نفسه قبلها، والذي لم ينصّ أبداً على أن تكون “حكراً” للطائفة الشيعية تحت عنوان “الميثاقية” أو غيرها، علماً أنّ التاريخ يشهد أنّ الوزراء غير الشيعة الذين تولّوا حقيبة المال منذ الطائف يفوقون الوزراء الشيعة عدداً، وليس صحيحاً أنّ ذلك كان مرتبطاً بالمشروع الاقتصادي لرئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، باعتبار أنّ بعضهم كانوا في حكومات “مناوئة” للحريري، وفي عهود أكثر من “صديقة” لبرّي.
قد تُحَلّ “عقدة” حقيبة المال في نهاية المطاف، وربما حُلّت وفق بعض “الروايات” غير المثبتة بعد، وقد تعود معها العلاقة بين برّي والحريري إلى سابق عهدها من “الوئام والتفاهم”. لكن، أياً كانت النتيجة، يبقى مجرّد خوض سجالٍ على “طائفة” الوزير، وصولاً إلى حدّ “تقديسها”، أمراً أكثر من “جدليّ”، في زمن يعلن فيه الجميع “انفتاحهم” على الدولة “المدنيّة”…
المصدر: لبنان 24