كتب منير الربيع في “المدن”: توترت العلاقة يوم الجمعة الفائت بين الرئيس سعد الحريري والثنائي الشيعي. اعتبر حزب الله وحركة أمل أن الحريري دخل في مرحلة انقلابية عليهما وعلى العهد العوني. وكان حزب الله قد رأى في المبادرة الفرنسية فرصة لتعويم نفسه، معتبراً أن باريس دعت حكومة توافق وطني.
وزارة المال وتقلب المفاوضات
وعندما انطلقت المشاورات، وتركزت المفاوضات على تشكيل حكومة مستقلين، كان التواصل بين الخليلين والحريري قائماً، قبل توقفه في ما بعد. وزار الحريري عين التينة طالباً من الرئيس نبيه برّي التخلي عن وزارة المال. فقرأ برّي الطالع سريعاً: كان على مصطفى أديب أن يفاوض القوى السياسية، لا الحريري وحده. علماً أن الثنائي كان على تواصل مع بيت الوسط، ولم يكن ممانعاً للتفاوض على وزارة المال، قبل افتراق الرؤى.
فشل لقاء عين التينة، فسارع برّي إلى الاتصال بقيادة حزب الله وأبلغها “بنغمة” الحريري الجديدة، فاعتبر الحزب أن ما يجري انقلاباً لا بد من إجهاضه. ورأى في موقف الحريري استغلالاً للوقت الضيق، لإحراجه أكثر، وإحراج رئيس الجمهورية وجبران باسيل، الذي أخذته موجة ضعف غير مسبوق. وراهن الحريري على تعهد ميشال عون للرئيس الفرنسي بعدم تعطيل أي حكومة.
حزب الله يهدد
بين السبت والأحد تسارعت وتيرة الاتصالات على خطّ حارة حريك – عين التينة – بعبدا. الأحد مساء عقد اجتماع بين الخليلين والأمين العام لحزب الله. والخلاصة، موقف واضح أبلغه الخليلان إلى القوى السياسية كلها: لا تنازل ولا تراجع، والثنائي الشيعي يتمسك باختيار وزرائه وبوزارة المال.
أجرى حسين الخليل اتصالات بكل من الحريري ونجيب ميقاتي ومصطفى أديب، فوجّه لهم كلاماً حازماً وحاسماً، متضمناً رسالة قاسية: لا فرنسا ولا رئيسها ولا غيرهما يتمكنون من كسر حزب الله في لبنان. وحصل تواصل بين حارة حريك وبعبدا، فطلب حزب الله من رئيس الجمهورية عدم التوقيع على أي تشكيلة قد يقدمها أديب ولا تراعي شروط التوافق. وكان حزب الله قد منح عون وباسيل حرية الحركة، للتخفف من الأعباء والضغوط الكثيرة عليهما، قائلاً لهما إنه يأخذ المسألة على عاتقه وبصدره.
بعد رسالة حزب الله التحذيرية، وإبلاغه موقفه المتشدد للفرنسيين، تريث مصطفى أديب في تقديم تشكيلته، بموافقة الحريري وميقاتي وبطلب فرنسي. ولما توجه إلى بعبدا الإثنين من دون تشكيلة وبلا أسماء، فتح الباب مجدداً للتفاوض، ومنحت فرنسا تمديداً للمهلة التي كانت قد حددتها.
الحريري وميقاتي يتراجعان
تواصلت باريس مع الحريري وميقاتي، وطلبت منهما المشاركة في اللقاءات النيابية التي يعقدها عون، لإعادة الاعتبار له ولدوره. استجاب الرجلان، ولم يعلّقا على مسألة خرق الدستور والطائف. وحاولت فرنسا البحث بكل الطرق عن إنقاذ مبادرتها.
حملت الفرصة الجديدة الثنائي الشيعي على التصلب. في المقابل تراجع رؤساء الحكومة خطوة إلى الوراء على وقع التصعيد. دفعتهم إلى ذلك، قناعتهم أن الفرنسيين لا يريدون المواجهة مع حزب الله. وهم بدورهم لا يريدون للمواجهة أن تستمر، لأنها خاسرة وتنطوي إما على إفشال المبادرة الفرنسية، وإما على الاضطرار للتنازل لحزب الله. ذلك لأن لا حكومة تقوم وتستمر وتنجز، في حال عارضها الحزب إياه.
نهاية العهد العوني
وتريث أديب وطلب على وقع الضغط الفرنسي، تأجيل موعد لقائه رئيس الجمهورية في قصر بعبدا ظهر الأربعاء. أجل اللقاء 24 ساعة، فعل فيها الفرنسيون مشاوراتهم على التفاصيل كلها، لعلهم يتمكنون من إنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكن الأجواء كانت سلبية. وبدأت الصورة تتضح أكثر فأكثر، بعد موقف وليد جنبلاط وسعد الحريري حول خسارة المبادرة فرصتها الأخيرة.
عصر الأربعاء 16 أيلول، عقد لقاء بين السفير الفرنسي ومسؤولين بحزب الله. لم يحصل إثر اللقاء أي تطور، أصرّ الحزب على موقفه، وباريس كذلك، وأبلغ السفير برونو فوشيه حزب الله أنه لم يعد قادراً على فعل شيء. بقي السؤال هل أن وزارة المال تستحق إفشال المبادرة الفرنسية، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
موقف سعد الحريري بالإصرار على المداورة، كان محاولة لقطع الطريق على أي تنازل فرنسي قد يحصل لصالح الثنائي الشيعي. وهنا تتضارب المعطيات. رؤساء الحكومة السابقون اجتمعوا في بيت الوسط واتفقوا على الاعتذار قبل ظهر الخميس، ما لم يحصل أي طارئ جديد يبدل المعطيات. بينما معلومات أخرى تفيد أن الفرنسيين أعطوا مهلة جديدة حتى يوم السبت، بحثاً عن إمكانية تحقيق خرق وحصول تقدم.
قد يستخدم الفرنسيون أسلوباً آخر بالتفاوض مع الحزب. أولاً، بالإشارة إلى انه لا يمكن للحزب خسارة المبادرة الفرنسية. وثانياً، محاولة العمل للبحث عن ضمانات تقيه العقوبات تدفع الحزب إلى التنازل، أو الإشارة إلى ما تمتلكه باريس من معلومات حول ملفات وشبكات الحزب المالية في افريقيا، وملفات فساد أخرى ليس مناسباً أن تُفتح حالياً، وذلك بهدف إقناعه لتقديم التنازل.
بكل الأحوال، كانت حسابات الحزب مختلفة، ولم يرضخ. وأصرّ على موقفه بغية الحصول على موقف فرنسي لا يمانع أن تؤول وزارة المال إلى الشيعة. لذا، تواصل الفرنسيون مع سعد الحريري، لإقناعه بقبول وزير شيعي لـ”المالية”، لا ينتمي لحركة أمل يتم اختياره بالتوافق. ففي نهاية المطاف، فرنسا لا تريد أن تخسر لبنان ولا الشيعة ولا إيران.
ولو انتهت المبادرة الفرنسية إلى الفشل التام، فالتداعيات الأكبر للمشكلة ستنصب على رئيس الجمهورية ميشال عون. فشل المبادرة يعني بلا لبس نهاية عهده، ليس على الصعيد الداخلي فحسب، بل على الصعيد الدولي. فأي من الدول لم يعد مستعداً للاضطلاع بمبادرة في المعضلة اللبنانية، التي تترك لبنان في مهب أخطار كبيرة جداً، أبعد من تجديد الحصار والعزلة.