كتب منير الربيع في “المدن”: وصلت المبادرة الفرنسية إلى طريق مسدود. كانت أمام خيارين:إما التنازل للثنائي الشيعي، أي إفراغها من مضمونها الفعلي، واستدعاء المزيد من المعارضة الغربية والضغوط الأميركية. بل وتعميق الاختلاف بين باريس وواشنطن حيال إيران وحلفائها في لبنان.
وإما عدم التنازل للثنائي المعرقل للمبادرة، والمتراجع عن تلقفها، والذي يريد الالتفاف على شروطها وبنودها. وهذا ما قد يدفع أميركا ودول خليجية إلى دعم فرنسا ومبادرتها، والمضي في تفعيلها: إجبار التيار العوني، حليف حزب الله المسيحي، على السير بالتشكيلة الحكومية وفق المبادرة الفرنسية. فتنال الحكومة الثقة، ويتكرس ابتعاد عون وجماعته عن حزب الله، وينتقل الثنائي الشيعي إلى مواجهة مباشرة مع القوى السياسية الراعية للحكومة.
لكن ما حصل هو أن كل القوى بقيت على تشبثها بشروطها. حزب الله ينظر إلى ما جرى على أنه انقلاب. وهو لن يرضخ له. فتمسك بشروطه إلى أقصى الحدود، وراهن على أن باريس ستحتاج لإنقاذ مبادرتها بتقديم التنازل له. رفضت باريس ذلك، بينما كان رؤساء الحكومة السابقين ينسقون المواقف، ويؤكدون رفضهم أي تنازل لو “زلّت قدم فرنسا” تجاه الحزب. عملوا على تجهيز بيان اعتذار مصطفى أديب، فيما بقي النقاش حول كيفية تقديم هذا الاعتذار، هل يذهب أديب إلى القصر الجمهوري حاملاً تشكيلة فيتم رفضها؟ أم يذهب للقاء عون للتشاور ويعلن اعتذاره بعد اللقاء.
منازلة بين إيران وفرنسا
وفي حال تمسك باريس بشروطها وضغوطها، ستقع معركة “كسر عظم” مع الثنائي الشيعي الذي لن يتنازل، ويستخدم أساليب التعطيل كافة، لمنع الانقلاب عليه أو تطويقه ومحاصرته. وهذا يستتبع موقفاً إيرانياً واضحاً: لا يمكن الاستسلام للفرنسيين، بعد رفض الاستسلام للأميركيين. ولا يمكن التنازل عن أي ملف على طاولة المفاوضات، قبل الانتخابات الأميركية. ذلك أن ما لم تدفعه إيران بالحرب، لن تدفعه لمبادرة فرنسية ترافقها ضغوط دولية كثيرة.
أما في حال تراجعت باريس وحقق حزب الله ما يريده، فإن المبادرة تكون قد انتهت في منظار السياسة الدولية، لتعقبها الضغوط والعقوبات الأميركية، التي ستتزايد كلما اقترب موعد الانتخابات الأميركية.
الثنائي يواجه المجتمع الدولي
سوف تتصاعد المواجهة، إذاً، في الأحوال كلها. ومن غير المعروف، حتى الآن، ما إذا كانت القوى السياسية المعارضة لحزب الله قادرة على الاستمرار في هذه المواجهة، والإمساك بورقة تأليف الحكومة من خلال صمود مصطفى أديب في موقعه. أو ينتظر أديب لحظة انسداد الآفاق، فيعتذر وتعود قواعد اللعبة إلى النقطة الصفر.
بعض المشاركين في عملية التفاوض على تشكيل الحكومة، يؤكدون أن عدم تحقيق أي شيء سريعاً، يؤدي إلى اعتذار أديب، ورمي كرة التعطيل في ملعب رئيس الجمهورية والثنائي الشيعي. وهذا يضعهم أمام خيارين: إما تشكيل حكومة من لون واحد والدخول في مواجهة جديدة مع اللبنانيين الآخرين والمجتمع الدولي. وإما ترك حكومة حسان دياب تصرّف الأعمال. وهذا بدوره يعني المواجهة مع المجتمع الدولي. والمزيد من الأزمات، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والأمنية.
باريس وحزب الله
هنا يبرز كلام وزير الخارجية الأميركية الموجه للفرنسيين، والبالغ الدقة والأهمية، في محاولته فرض معطيات جديدة على باريس. وفي حال فشلت المبادرة الفرنسية، ستندفع باريس إلى الاستجابة للضغوط الأميركية، وتسحب الاعتراف بحزب الله، وتصنّفه إرهابياً. وهذا بعدما أعلن بومبيو أن استرضاء إيران وحلفائها لن يجدي نفعاً.
المسار الراهن هذا كثير الأبعاد، ويتخطى الزعامات اللبنانية وسياساتها التقليدية المحلية. وسيؤدي حتماً إلى انفجارات وإشكالات وتهديدات أمنية كبرى متتالية.