ليس بغريب ان يخرج رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، بما اعلنه من مواقف. فما قاله يأتي في السياق “التصاعدي” منذ مؤتمره الاول ما بعد استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، الذي فتح فيه باباً مشرعاً على كثير من الاحتمالات عندما قال ما معناه، لا يمكن العودة الى حكومة مشروعها الاقليمي كما سابقاتها، في رسالة واضحة الى حارة حريك. مسار استمر حتى بلغ حدوده القصوى بالامس، ما يضع “باسيل – المشروع” في خطر الالغاء الابعد من السياسي، في حال تخطى الخطوط الحمراء.
غير ان الاهم من الكلام على خطورته، مجموعة امور سبقته ابرزها:
1-تظاهرة المواجهة التي أتت لتتماهى مع قول باسيل في اطلالته الاخيرة “ما تجربونا”، وان كان الشعار “كلنا حرس جمهوري”، والذي كان لافت فيها “تصويب” الناشطين البرتقاليين على عين التينة كمركز أساس للفساد. وهنا لا بدّ من الاعتراف بعيداً عن منطق الأرقام ان الصهر نجح في اظهار قوة ما في الشارع يمكن الاتكاء عليها لدعم مواقفه السياسية.
2-عشية زيارة رئيس الحكومة المكلف الى قصر بعبدا، وبعد يوم طويل من التسريبات حول موقف حزب الله – امل من التسوية العالقة عند نقطة المداورة شكلاً، رغم ان حقيقة الامر ترتبط بعرف “قاتل” الثنائي 15 سنة لارسائه، تمهيداً لقوننته متى حان الوقت.
وهنا بدا لافتاً الاتصال الهاتفي بين الرئيس ماكرون وباسيل، وبين الاخير واديب، الذي رفض منذ تكليفه اجراء اي اتصال بالاطراف السياسية، وهو ما ألمح اليه التيار الوطني الحر أكثر من مرة من باب الانتقاد.
3-بعد حزمة العقوبات الاميركية الاولى، والتي اصابت “غريمه” الرئاسي الاول، وخصمه اللدود الاول أيضا، وسط التسريبات عن ادراج اسمه دون تحديد موعد اعلان ذلك. اللافت على هذا الصعيد عدم تطرقه الى هذه المسألة لا من قريب او بعيد، رغم اتهامه “بالتحريض” على فرضها وفقا لقانون “ماغنتسكي” خلال الزيارة الوداعية للسفيرة الاميركية السابقة.
ولكن ما هو ابرز ما قاله الوزير السابق والنقاط التي ركز عليها، والتي بدا واضحا فيها تمايزه عن حزب الله تحديدا؟ هنا يمكن ايراد ابرز النقاط التالية:
1- في موضوع الحدود، ذهب النائب باسيل بعيدا في موقفه على خطين متوازيين، فهو اعتبر في مسألة الترسيم ان المصلحة اللبنانية هي اولوية، ما استدعى رد الثنائي بأن الموضوع هو مبدأ وطني، أما الخط الثاني فتمثل في تأكيده على ان اللبنانيين ليسوا مستعدين للتفريط بالقرار1701 وبالتالي ان يعود لبنان منطلق للعمليات الفدائية من ارضه، في رد واضح على ما اطلقه اسماعيل هنية بتغطية من حزب الله.
2-في موضوع المثالثة كان جازما برفضها، علما ان الاعتقاد الذي ساد سابقا، لدى مناصري التيار الوطني الحر ارتكز الى نظرية دور امين عام عام حزب الله السيد حسن نصر الله بإعادة الصلاحيات للرئيس المسيحي بعدما سلبها منه اتفاق الطائف.
تطور يمكن فهمه في ظل الريبة مما يجري تحت الطاولة من مفاوضات تشكيل الحكومة والتي يبدو ان هناك “قبة باط” فرنسية لحصول توافق ثنائي بين تيار المستقبل والثنائي الشيعي، من خلال اعطاء دور اساسي للحريري في المفاوضات، ما يعني عمليا تسمية الوزراء المسيحيين، وهو ما لا يمكن القبول او التسليم به لارتباطه باستعادة الحقوق المسيحية.
الاخطر على هذا الصعيد ان ثمة رسالة وصلت للقوى المسيحية مفادها بضرورة الالتفاف حول مبادرة البطريرك الراعي، والا فإن المسيحيين لن يكونوا الى الطاولة نيسان المقبل عندما يحين موعد التسوية الجديدة.
3-كشفه عن بدء عودة مسلحي حزب الله من سوريا، وكان سبقه الى ذلك النائب السابق فارس سعيد، حيث تقول المعلومات ان حوالي 2500 عنصر عادوا الى لبنان، فيما يبدو كنتيجة للضغوط الاسرائيلية – الروسية على النظام السوري لانهاء النفوذ الايراني.
هنا لا بد من الاشارة الى تداول معلومات عن سفر عدد من هؤلاء العائدين الى افريقيا.
في كل الاحوال بات واضحاً في تحليل بسيط لوسائل التواصل الاجتماعي، ان القواعد البرتقالية باتت اكثر نقمة على حزب للله نتيجة دوره في وصول العهد الى ما وصل اليه. عليه بات لزاما في ظل التغييرات التي تشهدها المنطقة على التيار الوطني الحر اعادة تموضعه ورسم حدود فاصلة بين العهد وحزب المقاومة، بعكس المواقف التي اطلقت خلال زيارة نيويورك ايلول الماضي، عله يستطيع فيما تبقى من العهد حماية المصالح المسيحية التي باتت في خطر كبير، بعدما تحملوا عبء المواجهة عن حارة حريك وتحمل الضربات عنها، دون اي مردود.
فهل حان وقت اسقاط الضلع الثالث من التسوي الرئاسية؟ ام هي مناورة “صولد” لكسب الوقت عشية الانتخابات الرئاسية؟ ام هو امل بتعويم اميركي لمشروع رئاسي ضرب داخليا؟ وهل تشفع له مواقفه المستجدة لدى واشنطن، التي تريد افعالا لا اقوالا، بات اصعب على الوزير باسيل ان يقدمها؟
ايا يكن فإن الموقف الاميركي اكثر من جدي، ومن اليوم حتى كانون الثاني موعد رحيل ترامب، في حال خسارته للبيت الابيض، ما يكفي من الوقت لانجاز الكثير مما يلزم الادارة الخلف ايا كانت هويتها.
المصدر: ليبانون ديبايت