بمعزل عن “استمهال” رئيس الجمهورية من عدمه، ما كُتب قد كُتب، ومراسيم التأليف صدرت في قصر الإليزيه وأصبحت مصادقة قصر بعبدا عليها “تحصيل حاصل”، لتتنقل الأضواء تالياً إلى جلسة الثقة النيابية وما ستشهده من “دراما ميثاقية” بسيناريو وحوار مضبوط تحت سقف ما رسمه المُخرج الفرنسي لمشهدية الخاتمة الحكومية. فعلها إيمانويل ماكرون وفرض على الجميع ولادة تشكيلته لحكومة “المهمة” الاختصاصية برئاسة مصطفى أديب،
ضمن حدود المهلة التي وضعها أمام الأفرقاء الرئاسيين والسياسيين، غير أنّ الحدث الجلل لم يقتصر على فعل الولادة بحد ذاته إنما انسحب في دلالاته وأبعاده ليشكل منعطفاً مفصلياً في المشهد السياسي اللبناني بشكل أحدث تغييراً جوهرياً في “شروط اللعبة” تحت وطأة الضغط الدولي المهول الذي مورس على جبابرة النظام اللبناني فجعلهم بين ليلة وضحاها يؤثرون دفن الرؤوس الحامية في الرمال الفرنسية خشية أن تستأصلها مقصلة العقوبات… أما بعد مرور العاصفة “فلكل حادث حديث”!
إذاً، قضي الأمر وسيسلّم الرئيس المكلف اليوم الرئيس ميشال عون تشكيلة اختصاصية مصغرة تمكّن من خلالها “ضرب سرب عصافير بحجر تأليف واحد”، وفق تعبير مصادر مواكبة لـ”نداء الوطن”، مشيرةً إلى أنّ “هذه التشكيلة أعادت من جهة الحياة إلى اتفاق الطائف بوصفه نظاماً دستورياً ناظماً لسير الاستحقاقات الدستورية في لبنان، ومن ناحية ثانية أطاحت بكل الأعراف والبدع الخارجة عن منطوق الدستور في عملية تشكيل الحكومات في لبنان، حيث لا تأليف قبل التكليف ولا ثلث معطل ولا حقيبة حكر على طائفة دون سواها”، ولفتت إلى أنّ “الكاسحة الفرنسية التي واكبت خطوات أديب، استطاعت أن تفكك كل التعقيدات التي لطالما كانت تزنّر الخاصرة الحكومية وتفخخ الدستور بألغام تستقوي تارةً بالسلاح وطوراً بالسطوة الحزبية والطائفية”.
وحتى ليل الأمس، كان الرئيس الفرنسي يواصل الضغط والدفع باتجاه ضمان “وفاء الساسة اللبنانيين بوعودهم” ويطاردهم بسلسلة من الاتصالات والرسائل للتشديد على وجوب ولادة حكومة أديب هذا الأسبوع، حسبما نقلت مصادر الإليزيه. وما مسارعة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى تصويب بوصلة التسريبات الإعلامية التي واكبت مضمون محادثته الهاتفية مع ماكرون ورأى فيها على ما يبدو ترجمة غير محمودة العواقب دولياً لحقيقة موقفه، سوى مؤشر إلى حجم الضغوط الفرنسية التي جعلت رئيس المجلس يعلن “الفراق حبياً” مع التشكيلة الوزراية المرتقبة وينفي وجود أي “مشكلة مع الفرنسيين” مقابل إبدائه استعداد الثنائي الشيعي “للتعاون إلى أقصى الحدود في كل ما يلزم لاستقرار لبنان وماليته وإنقاذ اقتصاده”.
وفي هذا الإطار، كشفت مصادر ديبلوماسية متابعة للملف اللبناني أنّ “كل ما حصل يوم الأحد من أحداث وأحاديث ومؤتمرات صحافية وبيانات ومواقف إنما هو ضمن المرسوم وتحت سقف المقبول دولياً، فالمبادرة الفرنسية لم تلغ حق القيادات اللبنانية في التعبير عن موقفها ورفع سقف التحدي،
لكن يبقى المهم في نهاية المطاف أنّ الضغوط الخارجية أتت ثمارها وستنتج ولادة حكومة مصغرة مستقلة من الاختصاصيين وهذا هو بحد ذاته جوهر مبادرة الرئيس ماكرون في سبيل استنهاض لبنان”، مؤكدةً أنّ “وهج العقوبات ساهم بشكل فاعل في دفع الجميع إلى السير بالخطة المرسومة والمنسقة بشكل تام بين الفرنسيين والأميركيين”.
أما في ما خصّ مسألة المداورة في الحقائب، فرجحت أوساط متابعة لـ”نداء الوطن” أن تشمل مختلف الوزارات السيادية، بحيث يتولى على سبيل المعطيات الأولية، شخصية سنية حقيبة المالية، وأخرى شيعية الداخلية، ومارونية الدفاع، وروم أرثوذكس الخارجية، غير أنها أكدت في الوقت عينه أنّ “الإشكالية التي حصلت حول وزارة المالية لم تكن إشكالية شيعية بحتة بمعنى أنّ الرئيس المكلف لم يهدف إلى إقصاء الشيعة عن هذه الحقيبة، إنما المسألة كانت متصلة بمبدأ رفض فرض أي احتكار طائفي لأي من الحقائب الوزارية”، كاشفةً أنّ “الترشيحات التي برزت خلال الساعات الأخيرة للشخصيات الشيعية التي ستتولى حقيبة الداخلية تراوحت بين تسمية ضابط متقاعد من آل شحيتلي غير منتم وغير مستفز للثنائي الشيعي، وبين ذهاب البعض إلى الحديث عن إمكانية ترشيح اللواء عباس ابراهيم لتولي وزارة الداخلية”.
وتوازياً، استرعى الانتباه أمس تشكّل جبهة مسيحية رعوية وسياسية رافضة لتكريس “التوقيع الشيعي الثالث” في وزارة المالية باعتباره يشكل مدخلاً لتطبيق “المثالثة” في نظام الحكم اللبناني، وهذا ما أكد عليه صراحة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أمس خلال قداس إحياء ذكرى أربعين ضحايا إنفجار مرفأ بيروت، مشدداً على أنه “لا يمكن القبول بحكومة يكون فيها استملاك لحقائب وزارية لأي طرف أو طائفة باسم الميثاقية” التي تؤمنها المناصفة لا المثالثة.
وإذا كانت مروحة المواقف السياسية في أغلبها على المستوى المسيحي تعلن رفضها الصريح لفرض أي “مثالثة مقنّعة” عبر الإصرار على التوقيع الشيعي في وزارة المالية، فإنّ دخول “التيار الوطني الحر” بشخص رئيسه جبران باسيل على خط هذه الجبهة والانضمام إليها عكس إجماعاً مسيحياً على التصدي لتطييف الحقائب الوزارية بخلاف منطوق الدستور،
ولوحظ من هذا المنطلق أنّ باسيل حرص خلال إطلالته المتلفزة أمس على التأكيد أمام الأميركيين خصوصاً والمجتمع الدولي عموماً أنه “نفض يده” من محاذير الالتصاق بالثنائي الشيعي تحت وطأة الهواجس المتصلة بحزم العقوبات الأميركية المقبلة، وفق ما رأت مصادر سياسية لـ”نداء الوطن”،
مؤكدةً أنّ جملة من العناوين التي طرحها رئيس “التيار الوطني الحر” في كلمته كرست هذا الانطباع داخلياً وخارجياً، سواءً من خلال تطرقه إلى رفض “التوقيع الشيعي الثالث” باعتباره يجسد المثالثة، أو عبر إشارته إلى كون مبادرة تياره التي قدمها إلى الرئيس الفرنسي تشمل وضع الاستراتيجية الدفاعية وحياد لبنان على طاولة الحوار، وصولاً إلى ملامسته نقاطاً حساسة بالنسبة للثنائي الشيعي من بينها مسألة ترسيم الحدود البرية والبحرية وحل “المشاكل العالقة مع إسرائيل” ووضع الأمن والاستقرار على الجبهة الجنوبية بعهدة اليونيفل وتطبيقات القرار 1701،
وذلك بموازاة انتقاده الصريح لزيارة اسماعيل هنية وتصريحاته التي تنتقص من سيادة لبنان، والتأكيد في ما يتصل بوجود “حزب الله” المسلح في سوريا على ضرورة عودة الحزب إلى لبنان.
أمنياً، برز بُعيد منتصف الليلة الماضية استشهاد 3 عسكريين وإصابة عسكري آخر بجروح خطرة أثناء مداهمة دورية من مخابرات الجيش منزل أحد الإرهابيين المطلوبين في جبل البداوي في منطقة المنية، وذلك إثر تعرض عناصر الدورية إلى “إطلاق نار وتفجير رمانة يدوية” وفق ما أعلنت قيادة الجيش، في حين أفادت المعلومات الأولية أنّ الإرهابيين الذين تجري مطاردتهم هم على صلة بجريمة كفتون التي أودت بحياة 3 لبنانيين.
المصدر: نداء الوطن