كتب منير الربيع في “المدن”: إنها حكومة ايمانويل ماكرون اللبنانية، قد تولد الآن. كل من رضخ لتمريرها أو وافق، استجاب لمطالب فرنسا وركن للضغوط. وهي الحكومة الفرنسية الأولى من نوعها في لبنان: في آلية تشكيلها، في صيغتها، في تركيبتها، وبدوامة مفاوضات توليدها.. وفرض الشروط لذلك.
إطاحة بأعراف ما بعد 2005
حكومة فرنسية في الهوية والهوى. بعض وزرائها يحملون جواز سفر فرنسي. آخرون فرنكوفونيو الهوى والثقافة، وتربطهم علاقات عملية أو ثقافية بعاصمة الأنوار، التي اختارتهم في ظلمة لبنانية حالكة.
وفي حال ولدت الحكومة، وفق ما هو مرسوم لها، بهندسة فرنسية وتكتم لبناني كبير قل نظيره، يكون قد أُطِيح بالأعراف السياسية التي تكرست في لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005. والأهم أنها الحكومة الأولى التي ليس فيها ثلثاً معطلاً ما بعد اتفاق الطائف.
بلا قناعة وبغضب مكظوم
المسار الذي سلكه رئيس الحكومة مصطفى أديب في المفاوضات، من إصراره على عدم الدخول في بازارات سياسية، إلى عزوفه عن المواقف والتقليل اللقاءات، وضعه على سكة تشكيل حكومة مستقلة.
كانت الطريق معبدة بأفخاخ كثيرة، فككتها ضغوط فرنسية – أميركية، والتلويح بعقوبات. وعملياً فعل مصطفى أديب ما كان يفترض بنواف سلام أن يفعله لتشكيل حكومة مستقلين، لا تضم في صفوفها وزراء سياسيين أو محسوبين على القوى السياسية.
وهذا مسار لم يحد عنه أديب، حتى أنه أثار غضب رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، وحزب الله ورئيس التيار العوني. غضب انتهى بإعلان الجميع صاغرين: لن نتدخل، ولا رغبة لدينا في المشاركة. ومواقفهم هذه، الصادرة عن انعدام قناعتهم الممزوج بغضب مكظوم، حملتهم عليها الضغوط الدولية الكبيرة والناشطة.
تطويع بري
أديرت العملية بسرية تامة: بلا تسريبات أسماء، وحتى اللحظات الأخيرة. فيما استمر التشاور حول الحقائب والأسماء حتى ساعات الفجر. ودعّم الفرنسيون مبادرتهم بمروحة اتصالات أجراها ماكرون بنفسه بالمسؤولين اللبنانيين يوم الأحد. اتصل بعون وبري للمرة الثانية، وبباسيل للثناء على موقفه بعدم التدخل وعدم الرغبة في المشاركة وعدم العرقلة.
طلب ماكرون من عون أن يوقع التشكيلة التي سيسلمه إياها رئيس الحكومة المكلف. لأن لا مجال للاستمهال أو التأخير. مع بري أبقي ماكرون النقاش مفتوحاً، بعدما أعلن بري عدم رغبته في المشاركة، غاضباً من حرمانه من وزارة المالية. بُحثت صيغ متعددة للموافقة وعدم العرقلة. رئيس المخابرات الفرنسية الخارجية برنار إيمييه كان على الخط أيضاً، فطرح صيغاً متعددة: أسماء لوزارة المال، وحصول الطائفة الشيعية على وزارة الداخلية، كوزارة كبرى ومؤثرة، وعلى قاعدة المداورة.
حكومة الظرف الحالك
حتى ساعات الفجر، ظلت المؤشرات تفيد بأن الحكومة ستولد. يوقع عليها رئيس الجمهورية، ولا يشارك فيها الثنائي الشيعي، ولا أي طرف سياسي آخر. على أن ينال الوزراء رضى بعض القوى. أي مراعاة رئيس الجمهورية، ورؤساء الحكومة السابقين، والثنائي الشيعي، بمعزل عن وزارة المال.
ولن تكون طريق الحكومة معبدة بالورود. تأتي في ظرف حالك، وفي مدار صراع إقليمي ودولي متفجر. وقبل استحقاق الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي تشتد الضغوط كلما اقتربت، وتتغير الظروف بعدها، ووفق نتائجها.
ستكون الحكومة في مواجهة مفتوحة، سياسياً، واقتصادياً ومالياً. طبعاً حزب الله لم يعجبه ما حصل. وتشير معلومات إلى أنه في حال غضب شديدة من سعد الحريري، معتبراً أن ما يجري محاولة انقلاب لن يقبل بها. هو يدرس بهدوء تمرير العاصفة، وكيفية الرد عليها، سواء أفي جلسة الثقة النيابية، أو ما بعد نيل الحكومة ثقة هشة، تفتح عليها أبواب حرائق سياسية وشعبية كثيرة.
المصدر : المدن