كتب منير الربيع في صحيفة “المدن” تحت عنوان ” أميركا: ترسيم الحدود وتنازلات قاسية لحزب الله.. أو الجوع”: ” تجدد الحديث بقوة عن ترسيم الحدود اللبنانية، بعد صدور قرار العقوبات الأميركية على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس. سريعاً جرى الربط بين العقوبات على المعاون السياسي للرئيس نبيه برّي، وبين عملية الترسيم التي يتولاها برّي منذ سنوات، مفوضاً من الدولة اللبنانية.
برّي: انفجار المرفأ لترسيم الحدود
عندما أعلن الرئيس نبيه بري في 5 آب – أي بعد 24 ساعة على انفجار مرفأ بيروت – إن ملف ترسيم الحدود أصبح في خواتيمه، فُهم هذا الموقف كإشارة موافقة لبنانية على السير في الاتفاق حتى توقيعه. وما بين الروايات الإسرائيلية، والأميركية، واللبنانية، تضارب واضح حول الجهة المعرقلة لعملية الترسيم.
في بيان رئاسة حركة أمل، الذي صدر تعليقاً على قرار العقوبات على خليل، اتهام للأميركيين بعدم السير بالاتفاق لأسباب إسرائيلية “غير مفهومة”. وعندما يتحدث البيان عن أسباب غير مفهومة، يمكن الاستنتاج أن هناك شروطاً جديدة مطلوبة من لبنان، وعليه تقديم تنازلات في شأنها. أما الرواية الأميركية – الإسرائيلية فمناقضة لرواية حركة أمل اللبنانية، وتعتبر أن لبنان هو الذي يجب أن يقدّم جوابه على المبادرة الأميركية والذهاب إلى التوقيع.
نصرالله يعرقل وشينكر يؤجل
يقول لبنان إنه ينتظر جواباً أميركياً – إسرائيلياً، فيما تحدثت واشنطن عن انتظارها جواباً لبنانياً. وبالعودة إلى موقف برّي حول الوصول إلى خواتيم الملف، تؤكد المعلومات أن نيّة لبنانية كانت جاهزة آنذاك، للسير نحو إنهاء الملف. ولكن موقف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، أدى في ما بعد إلى تغير جوهري في الموقف، فتراجعت احتمالات التوقيع.
هنا، لا بد من العودة إلى ديفيد شينكر الذي كان يستعد للمجيء إلى لبنان، قبل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الأول من أيلول. كان يفترض بشينكر أن يصل يوم 27 آب، للقاء برّي والتفاوض على ملف الترسيم وإنهائه. لكن الديبلوماسي الأميركي أجّل زيارته أسبوعاً، وعندما أتى لم يلتق المسؤولين السياسيين، في مؤشر إلى إجهاض المفاوضات أو الإتفاق.
أميركا: فصل لبنان عن إيران
بعيداً من الضياع اللبناني، لا يزال ملف ترسيم الحدود عند نقطة واحدة، وهي المبادرة الأميركية التي أطلقها فردريك هوف، وليس ساترفيلد ولا شينكر، اللذين ابتعدا عن المبادرة والخطة المرسومة، وأبديا ليونة في مناقشتهما، أو أجلا مناقشة بعض البنود وبتها. لأن مبادرة هوف تتعلق بمنح لبنان 60 في المئة من المنطقة المتنازع عليها، مقابل 40 في المئة لإسرائيل.
والتعديل الذي حصل هو منح لبنان 60 في المئة، مقابل تأجيل البت بمساحة الـ 40 في المئة المتبقية. لبنان رفض ذلك، إنطلاقاً من رفضه التنازل. لكن الأسباب الأساسية للرفض سياسية، وترتبط بالتصعيد الإيراني – الأميركي، فيما يسعى الأميركيون إلى فصل الملف اللبناني عن إيران.
شينكر: اللنانيون يماطلون وسيجوعون
وفي إطار الضياع اللبناني حول هذا الملف، طرح الرئيس نبيه برّي قبل مدة، أن المقصود هو وضعه مع الأميركيين اتفاق إطار لآلية للتفاوض والترسيم. على أن تكون العملية في ما بعد من مهمة رئيس الجمهورية والحكومة والجيش اللبناني.
وهنا رأى الأميركيون في ذلك مزيداً من محاولات كسب الوقت. لذا، لا بد من العودة إلى زيارة شينكر إلى لبنان في الخريف الفائت. وكان برّي قد استقبله عارضاً خريطة للمنطقة الخالصة في الجنوب، وللبلوكات النفطية.
وهذا في إشارة من برّي إلى رفضه تقديم أي تنازل. لم ينظر شينكر يومها إلى الخارطة، وجلس أقل من دقائق خمس، وسأل سؤالاً واحد: “هل تريدون السير بالاتفاق أم لا؟”. قال بري إن الموضوع يحتاج إلى تحديد واضح للإطار التفاوضي، قبل البدء بالتفاوض. ورفض شينكر الاستمرار في الحديث وغادر. وفي ما بعد قال إن اللبنانيين سيجوعون.
نزاعات عون وبرّي
استمر الضغط الأميركي بالوسائل كلها، حتى أصبح لبنان هو من يريد العودة إلى مفاوضات الترسيم، بينما الأميركي لا يبدي اهتماماً في إطار استراتيجية ضغط وتفاوض جديدة وضعها. لذا اقترح رئيس الجمهورية إعداد مرسوم لبناني لترسيم الحدود، والذهاب به إلى الأمم المتحدة ليبدأ التفاوض على أساسه،. لكن اقتراحه هذا قوبل بالرفض، لأنه كان سيستدعي المزيد من الضغوط الأميركية.
واستمر عون في محاولات سحب الملف من يد برّي. وعلى الطريقة اللبنانية، تم التوصل إلى صيغة تحفظ ماء وجه الرجلين: ابتدعت صيغة اتفاق الإطار التي يضعها برّي، لينتقل الملف التفاوضي والتفصيلي إلى عون في ما بعد.
حزب الله: لتنازلات بالجملة
ما كان يصحّ قبل أشهر لم يعد يصح اليوم: لا فصل لملف ترسيم الحدود عن ملفات أخرى، خصوصاً في ظل التشدد الأميركي واستمرار الضغوط. لم يعد وارداً فصل ترسيم الحدود عن إرساء الإستقرار في الجنوب. وهذا ربما يوضح “الأسباب المجهولة” التي تحدث عنها بيان حركة أمل الرئاسي. قد تكون الأسباب مرتبطة بملف الصواريخ الدقيقة، ونشاط قوات الطوارئ الدولية ومنحها تعزيزات تمكنها من رصد حركة السلاح، والسيطرة الكامل على طول الخط الحدودي الجنوبي.