لم يعد الحديث عن سحب الدعم عن مواد أساسية تلويحا او تهويلاً. فرفع الدعم سيدخل حيز التنفيذ خلال الاشهر المقبلة. فمصرف لبنان لا يمكنه الاستمرار بدعم أسعار الوقود والأدوية والقمح إلا لثلاثة أشهر، هذا فضلا عن ان حاكم المركزي رياض سلامة علل قراره رفع الدعم عن السلع الأساسية بعدم الجدوى منه نظراً إلى الثغرات التي شابته، معلنا ان مصرف لبنان خطا خطوات متقدّمة في البطاقة التموينيّة، علما ان هذه البطاقة قد تكون دون جدوى ايضاً اذا لم تأخذ في الاعتبار دراسات الاسكوا والامم المتحدة حيال نسبة الفقر والبطالة في لبنان ولم يحصل مسح شامل لإحصاء الافراد الذين لا يمكنهم الحصول على الحد الأدنى من الغذاء اليومي. فالامينة التنفيذية للإسكوا رولا دشتي كانت دعت إلى إنشاء صندوق وطني للتضامن المجتمعي، لمعالجة الأزمة الإنسانية وتقليص فجوة الفقر في لبنان، مطالبة أيضا في هذا الصدد الجهات المانحة الدولية بتوجيه الدعم نحو تأمين الأمن الغذائي والصحي وتعزيز الحماية الاجتماعية. خاصة وان دراسة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا (إسكوا) كشفت عن تضاعف نسبة الفقراء من سكان لبنان لتصل إلى 55% عام 2020 وأشارت الدراسة إلى أن العدد الإجمالي للفقراء من اللبنانيين أصبح يفوق 2.7 مليون شخص، حسب خط الفقر الأعلى (أي عدد الذين يعيشون على أقل من 14 دولارا في اليوم)، وأن هذا يعني عمليا تآكل الطبقة الوسطى بشكل كبير، وانخفاض نسبة ذوي الدخل المتوسط إلى أقل من 40% من السكان.
لا شك في أن دعم السلة الغذائية كان منتقصاً ويعاب عليه عدم شموله العديد من المواد الأساسية، وغياب متابعة تفعيله في السوق، يقول نائب رئيس لجنة حماية المستهلك في نقابة المحامين المحامي عيسى نحاس لـ”لبنان24″، إلا أنه ساعد المواطن بعض الشيء. كما ان الدعم على القطاعات الأساسية كالدواء والمحروقات ضروري وإلا وقعت الكارثة الاجتماعية لأن مداخيل معظم المواطنين هي نفسها فيما الأسعار ارتفعت بين أربع وخمس أضعاف. فالدولار يواصل تحليقه متخطيا الـ 7000. في حين يرى خبراء اقتصاديون أن دعم ما يسمى بالسلة الغذائية لم يكن له الأثر الايجابي، فهو لم يعد بالفائدة على المواطن، بقدر ما استفاد منه أصحاب المؤسسات والمحلات التجارية، مذكرة بما أعلنته إدارة الاحصاء المركزي في رئاسة مجلس الوزراء، لجهة أن الرقم القياسي لأسعار الإستهلاك لشهر تموز 2020 سجّل ارتفاعاً 11,42% بالنسبة لشهر حزيران 2020 ومؤشر أسعار الإستهلاك في لبنان لشهر تموز 2020 سجّل ارتفاعاً وقدره 112,39 % بالنسبة لشهر تموز 2019.
وليس بعيدا فان سوق العمل في القطاع الاقتصادي خسر 370.000 وظيفة منذ بداية تشرين الأول حتى الآن، كما خسر سوق العمل بسبب “كورونا” حوالى 130.000 وظيفة، و20 % من قطاع الشركات أقفلت بسبب “كورونا، بحسب دشتي.
وسط ما تقدم ماذا عن البطاقة التموينية؟ ومن سيحصل عليها؟
تنحصر البطاقة التموينية بالعائلات المحتاجة، أي أنّ العائلة التي تملك على سبيل المثال 4 سيارات لا يمكن أن تحصل على 4 بطاقات تموينيّة بل على واحدة فقط، كما أنّ هذه البطاقة تؤمّن وصول السلع الأساسية إلى العائلات المحتاجة”؛ بيد أن نحاس يرى أن مصرف لبنان لا يملك الكتلة النقدية المطلوبة وكل من يحاول التبشير به من بطاقة تموينية او تغييرالدعم لا قيمة فعلية له، ؛إلا إذا اتخذت الدولة قرارا جريئا بحماية العملة الوطنية وملاحقة كبار محتكريها ومكافحة تبييض الأموال الأجنبية التي تستعمل اليوم في قطاع الصيرفة.
وعليه، فإن قضية التلاعب بالعملة الوطنية لا تقل خطورة ، بحسب نحاس، عن انفجار المرفأ لأنها ستؤدي إلى انفجار اجتماعي لا تحمد عقباه مما يوجب فوراً إحالة هذا الملف إلى المجلس العدلي لمساءلة كل المتورطين بالاساءة إلى الأمن الاقتصادي.
إن من أولى واجبات مصرف لبنان، كما يؤكد نحاس، انشاء منصة خاصة لتصريف العملات تحصر بالمصارف أو بشركات مأذون لها تحوز الشروط التقنية، والعمل على ملاحقة كارتيل التلاعب بالعملة الوطنية وجرد أموالهم ومصادرتها، بالتوازي مع اهمية إعادة هيكلة المصارف لإعادة الثقة إلى القطاع المصرفي وإقرار خطة لإعادة اموال المودعين، والاستمرار بالدعم بالتوازي مع مصادرة الأموال غير المشروعة. أما السير باتجاه اعلان عدم إمكانية الاستمرار بالدعم فهو انتحار وانهاء للاقتصاد اللبناني.