في المبدأ يجب ألا يلقى الرئيس مصطفى أديب أي عرقلة في طريق تأليف الحكومة، التي يريدها من أهل الإختصاص. نقول في المبدأ لأن لا مصلحة لأي فريق سياسي بأن يظهر في مظهر المعرقل. ليس تعفّفًا بل لأن ثمة عقوبات تنتظر وراء الباب كل معرقل. هذه المرّة لا يجوز المزاح في الأمور المصيرية. المطلوب من الجميع جدّية في التعاطي، وبالأخص ممن هم حريصون أكثر من غيرهم على نجاح العهد في آخر أيامه، وهم مطالبون أكثر من سواهم بتقديم التنازلات لمصلحة الحل المنتظر بعد الوعود الفرنسية المعطوفة على تهديدات مبطنة.
ولكي لا نبقى في نطاق الالغاز والمواربة نقول أنه يُفترض برئيس “التيار الوطني الحر”، وهو الذي كان يعرقل سير قيام الحكومات السابقة بما يفرضه من شروط، أن يكون إيجابيًا هذه المرّة أكثر من اللزوم، أولًا لتسهيل قيام حكومة “الفرصة الأخيرة”، وثانيًا لكي يتلافى أي عقوبة ممكن أن تُفرض عليه في شكل خاص، لأن الأضواء مسلطة عليه، والجميع يدرك أنه قادر على التسهيل إذا أراد ذلك، وكذلك على العرقلة.
فالرئيس المكلف يعرف تمام المعرفة هذه المعادلة، وهو يتصرّف على هذا الأساس متكلًا في الدرجة الأولى على دعم واضح وأكيد من أهل بيئته، وبالأخص من رؤساء الحكومات السابقين وعلاقاتهم الطيبة مع جميع الفرقاء، وبالأخص مع الرئيس نبيه بري، الذي يُعَوّل عليه كثيرًا في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة والحساسة، والذي يُعتبر كاسحة للالغام الممكن أن توضع في طريق تأليف الحكومة، وهو القادر على تدوير الزوايا، خصوصًا أنه لعب هذا الدور في أكثر المراحل حراجة، مع تمسكه الأكيد بما يحفظ حقوق الطائفة الشيعية، التي يحقّ لها بأن يكون لها حصرية التوقيع الرابع مع رئيسي الجمهورية والحكومة والوزير المختص ووزير المالية، وهذا الأمر لا يندرج في خانة العرقلة، وفق مصادر سياسية مطلعة، لأن الهدف الاساسي هو أكل العنب وليس قتل الناطور.
وبعيدًا عن هذه المسألة، التي لا يجب أن يأخذها الآخرون، وبالأخص باسيل، حجة للمطالبة بحقيبتي الخارجية والطاقة مثلًا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مختلف الأطراف، لأنه بهذه الطريقة لا يمكن السير بحكومة مختلفة عن سابقاتها، بإعتبار أن الظرف اليوم لا يسمح بكثير من “الدلع السياسي”، وبالتالي فإن كل يوم تأخير في قيام حكومة “الفرصة الأخيرة” يُحسب من الوقت المتبقي قبل عودة الرئيس الفرنسي مرّة ثالثة إلى لبنان.
وعليه، فإن المطلوب اليوم أكثر من اي وقت مضى التعالي عن المصالح الشخصية، وقد قالها الرئيس ماكرون أمام جميع الأفرقاء في غداء القصر الجمهوري، وكررها في لقاءاته مع مختلف الأطراف التي إلتقاها، مشدّدًا على أن المرحلة الراهنة لا تسمح لكثيرين الإستمرار في إنتهاج أسلوب “أنا أو لا أحد”، لأن البنيان إذا ما وقع هذه المرّة فسيقع على رؤوس الجميع ولن يسلم منه أحد.