تستمر الأزمة السياسية في لبنان، لكنّ بصيص نور تكشّف في نهاية النفق بعد إصرار الجانب الفرنسي على القيام بمبادرة تُخفف من حجم الكارثة الاجتماعية والاقتصادية والمالية التي حلّت بلبنان، وعلى هذا الأساس، جرى التوافق على تشكيل حكومة جديدة تحظى بموافقة جميع القوى السياسية.
ولعلّ أهم ما حدث في المرحلة السابقة، هو الخلاص من حكومة الرئيس حسان دياب والتي كانت تشكّل استفزازا للمجتمع الدولي بشكل عام، حتى وأنها بدت في أواخر أيامها مصدر امتعاض للفرنسيين الذين أبقوا في تلك الفترة على التواصل مع “العهد” وحكومته.
حكومة الغد، والتي من الواضح أنها برعاية فرنسية، يرأسها الدكتور مصطفى أديب، وهو شخصية وطنية تبدو مقبولة لدى المجتمع الدولي عموما، ما سيمكّن باريس من الدفاع عنها وحمايتها أمام الاميركيين من دون أي عوائق. من هُنا، أكدت مصادر مطّلعة لـ”لبنان24”، أن هذه الحكومة وفي حال سلكت طريق التأليف ستشكّل منصّة جدية لاستقطاب المساعدات الخارجية بعد تنفيذ الاصلاحات الضرورية التي طلبها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي حصل على تعهّدات بتطبيقها من مختلف القوى السياسية في لبنان.
ولكن، وعلى هامش هذا الحراك السياسي الايجابي، يبرز مجددا رئيس التيار “الوطني الحر” جبران باسيل الذي يسعى بشكل أو بآخر للترويج لفكرة عدم رغبته بالمشاركة في هذه الحكومة، ملمحاً الى أن انكفاءه لا يعنيه وحده وحسب بل كل فريقه السياسي أيضا، إذ بدأ بتعميم رفضه الدخول الى الحكومة بشكل مباشر او غير مباشر، الامر الذي من شأنه أن يؤدي الى عرقلتها لعدة أسباب.
السبب الاول، ان قوى الاكثرية النيابية تبدي رغبة بالمشاركة في الحكومة ضمن توازنات محددة وبالتالي فإنه،
ووفق حساباتها، مجرّد خروج “الوطني الحر” وما يمثله في الساحة المسيحية على المستوى النيابي سيؤدي الى تراجع تمثيلها في مجلس الوزراء ما قد يقلب الدفّة لمصلحة خصومها ويجعلهم يشكلون الاكثرية،
وهذا ما يرفضه “حزب الله” وهو الذي جعله يشدّد أصلاً على ضرورة تشكيل حكومة “تكنو سياسية”.
السبب الثاني هو سعي باسيل للتهرّب من المسؤولية وترك الحكومة تنجح او تفشل بعيدا عنه، إذ انه تلقّف رسالة الفرنسيين بشكل واضح، والتي أكدت على أن القوى السياسية المعنية في الحكومة ستتعرض لعقوبات في حال فشلت في الاصلاحات، بل واكثر من ذلك، اذ ان الرئيس الفرنسي عبّر صراحة بأن مهمّة إنقاذ لبنان ستنتهي في حال لم تلتزم هذه القوى بوعودها.
وهكذا يبدو جليّاً أن باسيل يبذل مساعي حثيثة للالتفاف في السياسة من خلال البقاء في المعارضة في المرحلة الاخيرة التي ستسبق الانتخابات النيابية وذلك بهدف استجماع قاعدته الشعبية وتحصين وضعه الداخلي، كما وأن باسيل يحاول الالتفاف ايضاً على فكرة العقوبات ويسلب الغرب حجة الانهيار المالي والاقتصادي لإصابته بسهم العقوبات الذي قد تُرشق به القوى السياسية في حال تخاذلها أمام مسؤولياتها الوطنية.