يبدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الاثنين زيارة رسمية إلى لبنان يحفل جدول أعمالها بمحطات سياسية و”رمزية” تعكس عمق العلاقات التاريخية التي تربط باريس ببيروت منذ أكثر من مئة عام.
الزيارة الرئاسية التي أعلنها ماكرون إبّان محطته في بيروت في أعقاب انفجار المرفأ في الرابع من آب الجاري، تهدف إلى أمرين أساسيين، الأوّل الاطلاع عن كثب على الخطوات التي طلبها في زيارته الأولى لجهة تشكيل حكومة إنقاذ سريعاً تنفّذ الخطوات الإصلاحية التي في ضوئها يمكن فتح خزّان المساعدات للبنان، والثاني المشاركة في إحياء ذكرى مئوية لبنان الكبير الذي أعلنته فرنسا خلال الانتداب.
وأحاط الرئيس الفرنسي الزيارة بتصريحات جاءت على لسانه ومواقف عبّر عنها مسؤولين في الإليزيه وضعت الإصبع على أسباب الأزمة العميقة، ذلك أن الفساد المستشري داخل المؤسسات هو أحد أبرز العناوين، فضلا عن استمرار عقلية المحاصصة في إدارة الحكم من دون إفساح المجال للتغيير الذي طالب به اللبنانيون الغاضبون الذين نزلوا إلى الشارع في 17 تشرين الأول الماضي، داعين إلى محاسبة الطبقة السياسية كاملة ورافضين عودة أي من رموزها إلى السلطة.
حكومة بلا أحزاب
ويبدو أن الفرنسيين يميلون إلى فكرة التغيير عبر تشكيل حكومة تختلف عن سابقاتها، رئيساً ووزراء تكون مهمتها إيصال لبنان إلى شاطئ الأمان.
وبحسب مصادر من العاصمة الفرنسية تحدّثت لـ”العربية.نت” فإن باريس تُحبّذ تشكيل حكومة مستقلّة بعيدة “مؤقتاً” عن الأحزاب التقليدية الموجودة في الحياة السياسية منذ سنوات، وإفساح المجال لحكومة بمهمة محددة قادرة على الاضطلاع بإعادة الإعمار وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة التي تعهّد بها لبنان خلال مؤتمرات الدعم آخرها مؤتمر “سيدر”.
وأوضحت “أن باريس وانسجاماً مع مقولة “ساعدوا أنفسكم لنساعدكم” تتمنّى على الأحزاب أن يساعدوا الحكومة الجديدة بمنحها الثقة حتى لو لم يتمثّلوا بها، لأن مهمتها ستكون محددة بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة لأن وجودهم وتمثيلهم سيكون محفوظاً داخل البرلمان، وذلك من أجل تجنّب لعبة المحاصصة والشروط والشروط المضادة التي أرهقت اللبنانيين لسنوات وعطّلت عمل المؤسسات، خصوصاً الحكومات”.
إلى ذلك، لفتت إلى “أن ماكرون لا يريد سماع المعزوفة ذاتها في عملية المحاصصة الوزارية و”حجز” هذه الوزارة لهذا الفريق دون سواه. فالوقت اليوم للإصلاحات السريعة والجدّية”.
وكرّرت باريس الخميس دعوتها لبنان إلى الإسراع في تشكيل حكومة واعتماد إصلاحات “عاجلة”. وحذّر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان من “أن الخطر اليوم هو اختفاء لبنان، لذلك يجب اتّخاذ هذه الإجراءات”.
وفي حين تبدو محاولة ماكرون للضغط في اتّجاه تشكيل “حكومة بمهمّة محددة” مستقّلة عن الأحزاب السياسية التقليدية معقّدة، باعتبار أن هذه الأحزاب الموجودة في الحكم منذ انتهاء الحرب الداخلية لن تتخلّى بسهولة عن “جنّة” السلطة، غير أن الرئيس الفرنسي يسعى الى إحداث ثغرة في جدار الأزمة اللبنانية مستفيداً من العلاقات المميزة والتاريخية بين لبنان وفرنسا والدعم الدولي لمهمته.
مهمة بإجماع دولي
وفي الإطار، أشارت المصادر الى “أن ماكرون يأتي إلى لبنان بمهمة تحظى بإجماع دولي، لا سيما وأن لفرنسا “مَونة” على القوى السياسية كافة دون استثناء بحكم الروابط التاريخية التي تجمع لبنان بها، ولم تعتمد سياسة العقوبات تجاه أي فريق سياسي يعارضها”.
وتتزامن هذه الزيارة، وهي الثانية إلى بيروت في أقل من شهر مع بدء رئيس الجمهورية ميشال عون صباح الاثنين الاستشارات المُلزمة مع الكتل النيابية لتكليف شخصية جديدة بتشكيل حكومة بعد ثلاثة أسابيع من استقالة حكومة حسّان دياب تحت ضغط الشارع الذي حملها مسؤولية الانفجار بسبب الإهمال وفساد المؤسسات.
والأوفر حظاً لتشكيل الحكومة هو سفير لبنان في ألمانيا مصطفى أديب.
تغيير النهج في الحكم
وبحسب المصادر من العاصمة الفرنسية فإن باريس “لا تتدخّل بالأسماء فهذا شأن لبناني، وما يهمّمها “تغيير” النهج في الحكم من خلال الإتيان بحكومة لا تُشبه الحكومات المتعاقبة على السلطة منذ انتهاء الحرب. أي حكومة مستقلّة عن الطبقة السياسية القائمة”.
كما لفتت إلى “أن باريس لم تعترض على تكليف الرئيس حسّان دياب ودعته إلى تنفيذ الإصلاحات، لكن عندما لم يلتزم بذلك تبدّل موقفها منه. والأمر نفسه تعتمده مع الرئيس الجديد للحكومة. فالأسماء برأيها تفصيل والأساس برنامج عمل الحكومة ومدى إلتزام رئيسها به، لاسيما في مسألة الإصلاحات”.
وأضافت “الفرنسيون يعرفون أدق تفاصيل ملف لبنان. همّهم البدء بالإصلاحات، خصوصاً في قطاع الكهرباء الذي يُعاني اللبنانيين منه وكلّف الخزينة مليارات الدولارات. لا شيك على بياض بعد اليوم. عندما نرى إصلاحات جدّية نفتح خزينة القروض وعكس ذلك معناه استمرار النهج نفسه مع تغيير بالأسماء”.
وغمز الرئيس الفرنسي من قناة إيران وذراعها في لبنان، حزب الله في تصريحات الجمعة قال فيها “إذا تخلّينا عن لبنان في المنطقة وإذا تركناه بطريقة ما في أيدي قوى إقليمية فاسدة، فستندلع حرب أهلية، وسيؤدي ذلك إلى تقويض الهوية اللبنانية”.
يذكر أن زيارة ماكرون تستمر حتى يوم الثلاثاء حيث سيلتقي بالمسؤولين السياسيين ورؤساء الأحزاب والكتل النيابية بالإضافة إلى بطريرك الموارنة بشارة الراعي بالإضافة إلى المشاركة في احتفال مئوية لبنان الكبير الذي يُقام في قصر الصنوبر في بيروت.
كما سيزور الأحياء المنكوبة والمتضررة جرّاء انفجار المرفأ، وسيزرع شجرة أرز مع أطفال لبنانيين في غابة جاج في شمال شرق بيروت.