حكومة جديدة تلوح في الأفق؟ هذا ما نتمناه. نريد أن نرى توافقا يخرجنا قليلاً من الحطام. مع أنّ تجربتنا مع التوافق لم تبشر مرة بالخير، لكننا اليوم أشدّ ما نكون بحاجة اليه.
ذلك أننا رغم بؤسنا الإقتصادي نسعى إلى توافق يوقف مركبة البلد المتهالكة عن التدحرج نزولا إلى القاع. نريدها أن تستقر عند كتف الوادي، وأن ننتظر سائقيها ليصرخوا لمنهم فوق ليرفعوننا قليلاً.
هذا ما نريده أولا من أي حكومة. أو من أي جو قد يخرج حكومة تعمل على كبح الإنفلات الأمني المتخضم. فنحن الذين نبدو وكأننا بتنا على وئام مع الجوع والفاقة، لا نريد أن يصبح الأمن مستباحا كليا. لا نريد لبصيص من ساعات معدودة تمكن عائلاتنا من تحصيل ثمن ربطة الخبز، أن تختطف منا بسبب معارك ومناوشات داخل الأحياء وعلى الطرقات.
الأمن قبل أي شيء. صحيح أن الفاقة والعوز سلاحا الفوضى وذخيرتها، لكننا لا نريد أن ندفع تكاليف أكثر. يكفينا الذي نعيشه.
لا نعلم إلى أي مدى يمكن أن تكون الطريق سالكة أمام حكومة تخلف حكومة حسان دياب. لكن المطلوب منها سيكون أكثر صعوبة والحاحاً من برنامج الحكومة السابقة لها.
ليس من الصعوبة تحديد المهام التي نفترض ان تكون موكلة بها. الأمور واضحة. ضبط سعر صرف الليرة أمام الدولار، إصلاح القطاع المصرفي، إصلاح الكهرباء، محاربة الفساد، إنجاز التحقيق وكشف المسؤولين الحقيقيين عن كارثة مرفأ بيروت، ضبط أسعار السلع والدواء والمحروقات… والأهم، ضبط السلاح المتفلت.
فما شهدناه في منطقة خلدة، بغض النظر عن تضارب الروايات، خطير. ويوحي بأن بروفات الحروب الأهلية المصغرة، قبل الحفل الكبير، مستمرة.
وكما في كل مرة، نقف عند الرواية، لا عند الأسباب الكامنة فيها. إنه تسويف ومراوغة غبية وساذجة أمام وضع سياسي وإقليمي معقد. تماما مثل الروايات التي لا نزال نسمعها عن أسباب الحروب الأهلية في بلدنا، من خلاف بين طفلين من دينين مختلفين على لعبة “كلل” في العام ١٨٦٠، أو بوسطة عين الرمانة عام ١٩٧٥.
المناوشات التي نراها تتنقل بين بيوتنا كل فترة، ليست بريئة. كله مخطط له، ومطلوب منه الوصول إلى غاية بعينها. وفي حالتنا، حيث الجوع كافر، يصبح الجميع كافرين بكل ما يربطهم ببعضهم، وتسهل إستغلال هشاشتهم ليكونوا وقودا في حروب الآخرين وان اختلفت المبررات والعناوين الفارغة من المضمون.
على الحكومة العتيدة أن تستوعب مبكرا جدا أن حفظ الأمن وقطع الطريق على ناشري الفوضى أولوية، وأن التوصل إلى حد أدنى من الإستقرار تتطلب جهودا تعيد ربط اللبنانيين بما يشغلهم فعلا بمستقبلهم وحياتهم، لا أن يتركوا نهباً ومطية لكل من يعمد إلى جعل فقراءنا وقودا لحروبه.
الإصلاحات السريعة، وضخ الأمل في النفوس ستكون مهمة لا تقل صعوبة وحاجة عما عداها. ذلك أننا داخل حلقة متصلة لا فكاك بين أجزائها. وعندما نصل إلى ما يرد لنا شيئا من الطمأنينة المفقودة منذ شهور، سنصل إلى حد أدنى مطلوب من الإستقرار الأمني.
أما ما عدا ذلك، فإن أي حكومة في المستقبل ستكون كسابقاتها، وعندها، علينا السلام.