المصدر: International Scopes – سكوبات عالمية | شادي هيلانة
بدأ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون باكراً احتفاله في ذكرى اعلان دولة لبنان الكبير، منذ الامس عندما صرح قصر الايليزيه عن زيارته للسيدة فيروز، يبدو ان معالم الزيارة توقفت مع الزمن، قصد ماكرون العمالقة مباشرة في الصميم، في زمن لم يصدف فيها الا الصغار ، قرر المشي قدماً في شوارع ميس الريم، وصولا الى الطواحين ولو كانت المياه مقطوعة، مدركاً جيداً وعرات سفر برلك، فيرتاح عند مختار المخاتير، مكملاً مشواره ليصل الى انطلياس مكان السيدة الكبيرة بحجم وطن، وليس صدفة يوم اعلان دولة لبنان الكبير.
ولا نبالغ اذا كتبنا اليوم إن فيروز فنانة عابرة للزمن، فنانة تعيش خارج الأعمار.
ستبقى دائماً نهاد حداد، تلك الصبية الخجول التي اكتشفها الاخوان فليفل، وادخلاها الاذاعة الوطنية، لتخطو فيها خطواتها الاولى مع حليم الرومي، الذي اختار لها اسم ” فيروز” قبل أن يحدث اللقاء الحتمي الذي جعل منها الاقنوم الثالث في العمارة الرحبانية.
كأن الجماعات المتناحرة تعود الى نفسها فجأة، وتروح تبحث عن مقومات وجودها فلا تجد أمامها إلا فيروز. بيننا وبين فيروز ليست مسألة أرقام، في كل الأحوال. فهي ملاكنا السري، شفيعتنا الوطنية بعدما عزّت الاوطان، وندرت الرموز الجامعة، العابرة للخنادق والانقسامات. نعم فيروز توحدنا، ونتوحد فيها. بصوتها واغنياتها وتاريخها الذي يكاد يكون تاريخ لبنان الحديث، المطل على براكين العرب واحلامهم ونضالاتهم وجراحهم.
وسط هذا الصحو لا يمكن الحديث عن الوجه السياسي الواقعي او الافتراضي لفيروز، ولا حتى الوجه الطائفي لها، لانها امراة كونية، إضافة الى ان صوتها الاسطوري يعني لنا دائما، صحوا صباحيا، ولذة صباحية مثل الجريدة وفنجان القهوة وموعد العمل وقبلة الصباح…انها الغواية الصوتية الضرورية، والمحرضة على اعادة حسابات اللذة في النفس والمكان واللغة، اذ يمارس معنا الصوت الفيروزي نوعا من التطهير، ذلك الذي يوهبنا احساسا عميقا بالخلاص والنشوة والامل، مثلما يمنح الكثير من الشفرات السردية لاستدلال الروح العميقة في الامكنة والمدن، يضفي عليها الوانا اخرى، ومعان اكثر اتساعا للقراءة وللتأويل، يغسلها من غبار الجغرافيا والتاريخ والعطب، ويخرجها من كل صناديق الحروب والسياسة والمراثي والخيانات، ويضعها في سياق من التجلي واللذة، يمنحها روحا اكثر اشراقا، لذا نقول دائما: اذهبي يا فيروز نحو كل مدننا المحاربة لكي يدرك المحاربون ان حروبهم واوهامهم غير غنائية وغير قادرة على تلوين المدن بالبهاء..
حسناً فعلت حضرة الرئيس ماكرون بتكريم سيدة النجوم و هي حية ترزق..
ففي لبنان لا يُكرم الوطن الّا في العزاء الأخير.