قفز معدل التضخم في لبنان إلى 112.4 بالمئة على أساس سنوي في تموز وسط انهيار اقتصادي، حتى قبل انفجار مرفأ بيروت الذي فاقم الأزمة المالية العميقة.
وفي التفاصيل أنّه وفقا للبروفسور ستيف هانكي استاذ علم الاقتصاد التطبيقي بجامعة جونز هوبكنز، فإن لبنان أصبح أول بلد في المنطقة يعاني من تضخم جامح في تموز.
وأظهرت أرقام من إدارة الإحصاء أن التضخم في لبنان، الذي تدهورت محنته منذ أن تخلف عن سداد دين سيادي في آذار، ارتفع إلى 89.74 بالمئة على أساس سنوي في حزيران من 56.53 بالمئة في مايو أيار. وصعد مؤشر أسعار المستهلكين 11.42 بالمئة في تموز مقارنة مع الشهر السابق.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية بنسبة تزيد عن 336 بالمئة مقارنة بالعام الماضي، فيما ارتفعت أسعار المساكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود بنسبة 11.6 في المئة في السنة، بسبب الدعم الحكومي المقدم لأسعار الوقود.
وارتفعت أسعار الملابس والأحذية بنسبة 409 بالمئة، في حين ارتفعت أسعار المطاعم والفنادق بنسبة 473 في المئة.
وفقد الكثير من اللبنانيين معظم قيمة مدخراتهم بالليرة، بعد ارتفاع قيمة الدولار إلى 7 آلاف ليرة، مقابل سعر الصرف الرسمي المثبت على 1507 ليرة لكل دولار.
ومع هذا الارتفاع الكبير في التضخم، لا يبدو إن هناك نهاية تلوح في الأفق للانهيار المالي المستمر في البلاد منذ أشهر.
وفي تموز، وصلت الزيادة في أسعار الاستهلاك إلى أقل بقليل من 90 في المئة، ما يعني أن التضخم يزداد بمعدلات كبيرة كل شهر.
وفي تعليقها، قالت وكالة “بلومبيرغ” إن “التضخم شوهد بهذا المستوى آخر مرة في أعقاب الحرب الأهلية اللبنانية قبل ثلاثة عقود، بعد انخفاض العملة اللبنانية بشكل حاد في السوق السوداء مما جعل المواد المستوردة أكبر تكلفة.
وقد استخدم المصرف المركزي ما تبقى من احتياطياته من العملات الأجنبية لدعم مشترياته من الوقود والقمح والأدوية، وقال محافظ البنك المركزي رياض سلامة في مقابلة لموقع “عرب نيوز” إنه يتوجب إيجاد طرق جديدة لدعم التجارة بسبب انخفاض الاحتياطي النقدي.
ورجحت تصريحات وتحليلات ووقائع باقتراب أزمة اقتصادية كارثية نتيجة تدهور سعر صرف العملة مقابل الدولار الأميركي، إضافة إلى الفساد المستشري أصلا في مؤسسات الدولة، لتأتي أزمة كورونا ومن بعدها إنفجار مرفأ بيروت ليزيدان الأمر سوءا ويضعان الشعب أمام أبواب مجاعة حقيقية قد تهدد طبقة كاملة من المجتمع.
وقال مصدر رسمي لبناني الأسبوع الماضي إن مصرف لبنان المركزي يمكنه أن يدعم الوقود والقمح والأدوية لمدة ثلاثة أشهر فقط مع استمرار تضاؤل احتياطيات النقد الأجنبي التي انخفضت بالفعل إلى مستويات حرجة.
ويحذر الخبراء من تداعيات قرار مماثل، فمن جهته، يقول الأستاذ الجامعي، والمدير العام للشؤون الإدارية والمالية في مجلس النواب، أحمد اللقيس، أنه “لهكذا خطوة آثار اجتماعية كارثية بحال لم يلجأ حاكم مصرف لبنان إلى حلولٍ أخرى يؤمّن عبرها التمويل اللازم لتغطية فرق سعر الصرف، بحيث أن الأسعار سترتفع بشكل جنوني تبعا لارتفاع سعر الدولار، إذ أن ربطة الخبز قد تصل إلى حدود الـ 8,000 ليرة، بحال استقر سعر العملة الخضراء على ما هو عليه اليوم”.
إلّا أنه، وفي هذا السياق، أشار اللقيس إلى أن، “الدولار في السوق السوداء لن يحافظ على استقراره بحال وصلنا إلى السيناريو المذكور، وقد يقفز فوق حد الـ 12,000 ليرة. إذ، وبعد وقف الدعم، سيتوجّه التجّار إلى تأمين البديل من السوق السوداء، وارتفاع الطلب سيؤدي إلى ارتفاع السعر بطبيعة الحال، ما معناه أن الأسعار سترتفع أكثر فأكثر، والدولار أساساً باشر في الارتفاع بعد استقرارٍ دام لأيام”.
لكن اللقيس لفت إلى أن، “قرار رفع الدعم ليس نهائياً، وقد يكون التوجّه نحو البنك الدولي حلاً لتأمين التمويل من أجل فتح اعتمادات للمواد الأساسية، وبالتالي استمرار دعم السلع. لكن هذه العملية لن تخدم لبنان أكثر من 3 إلى 4 أشهر، وبالتالي أمام البلاد فترة 6 أو 7 أشهر من أجل إيجاد حلولٍ جذرية، إلّا أنها فترة مقبولة تسنح فيها الفرصة لتشكيل حكومة، والمباشرة بإنتاج حلولٍ مستدامة، وهو الحل الوحيد اليوم إذا توفرت الإرادة”.