يبدو أنّ لبنان سيكون أمام موجة جديدة من هجرة أبنائه، نتيجة تسارع وتيرة الانهيار الاقتصادي، وفي ظل غياب الاستقرار السياسي والقلق الأمني بالبلاد، وهو ما بدأ يلمسه اللبنانيون على امتداد الأيام الماضية، وما تؤكده الأرقام التي يصفها الخبراء بـ “المعبّرة”، محذرّين من تأثيرات “كارثية” على الواقع الاقتصادي.
وتحت عنوان “الهجرة من لبنان… لمن استطاع إليها سبيلاً”، نشرت قناة “الجزيرة” تقريراً، انطلقت فيه من تجربة حيّة لرجل الأعمال اللبناني نصولي (45 عاما)، الذي يستعد للهجرة مع زوجته الكولومبية وأولاده الثلاثة إلى كولومبيا نهاية العام الجاري.
فمنذ نهاية 2019، بدأ عمل نصولي يتراجع مع مجموعة من شركائه اللبنانيين في عدد من المطاعم والمحال التجارية، فقرروا تضييق هامش عملهم، ثم تسارع التراجع في العائدات أكثر مع تفشي فيروس كورونا، إلى أن جاء انفجار المرفأ ودمّر جزءا كبيرا من عائداتهم، بحسب ما يقول لـ “الجزيرة”.
“حياة جديدة”
يتّجه نصولي إلى كولومبيا لبدء حياة جديدة مع عائلته، بعد أن كان يرفض كليا فكرة الهجرة، ويقول “نحن نعيش تحت وطأة سلطة تمارس بحقنا التهجير القسري”.
وتوافقه السيدة جمال القرى (66 عاما)، وهي ناشطة مدنية وطبيبة متقاعدة، وقد ودّعت أخيرا في المطار ابنتها مع حفيدتيها الصغيرتين اللائي سافرن إلى دبي.
وتقول لـ “الجزيرة”: “أستعدّ أيضا لوداع ابنتي الصغيرة التي أنهت تعليمها الجامعي وترفض البقاء في لبنان”.
القرى تُقر أن ثمّة وهمًا في التغيير عاشته، و”كأنّ الوطن يرفضنا ويرفض وجودنا كغير طائفيين، فذهبت حياتنا هدرا، فيما هناك عملية نحرٍ بحقنا”.
وترى أن انفجار المرفأ جاء كجرس إنذار لإعلان الهزيمة، فـ “رضخ أولادنا لعملية التهجير الممنهج، بعد أن فقدوا أمل بناء مستقبل آمنٍ في لبنان”.
تحذير بالأرقام
وفي السياق، يشير الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين، إلى أنّ في 2018 هاجر نحو 33 ألف لبناني، بينما هاجر مع نهاية 2019 نحو 66 ألفا، أيّ بزيادة الضعف. ومع بداية 2020، لم تتضح أرقام الهجرة، نتيجة تقليص الطيران وإغلاق المطارات بسبب تفشي فيروس كورونا.
لكن ما بدا لافتًا لشمس الدين، أنه حين فُتح مطار بيروت في أول الشهر الماضي وحتى 4 من الشهر الجاري، كان متوسط عدد القادمين إلى لبنان هو 2300، ومتوسط عدد المسافرين 3100. أما بعد وقوع انفجار 4 آب، فقد تراجع المعدل اليومي للقادمين إلى 2100، بينما ارتفع عدد المسافرين إلى 4100.
ويرى شمس الدين في هذه الأرقام مؤشرا على تسارع وتيرة الهجرة من لبنان، لأن “لدى معظم اللبنانيين رغبة في الهجرة، لكن الإمكانيات ضعيفة على مستوى سبل تأمين التأشيرات وفرص العمل في الخارج”، بحسب شمس الدين.
ويختم شمس الدين حديثه بأن موجات الهجرة لن تقتصر على طوائف دون سواها، “ولا سيما أنّ المسيحيين حققوا هجرة كبيرة إبان الحرب الأهلية، وقد تراجعت أعدادهم في لبنان، ما يعني أن الهجرة في السنوات الأخيرة والفترة المقبلة ستكون نسبتها أكبر لدى الطوائف الإسلامية”.
لكن.. ما التداعيات الاقتصادية لهذه الهجرة المتزايدة؟
تعتبر الأكاديمية والباحثة في التنمية الاقتصادية ديمة كريّم، أنّ الفئة الشابة المتعلمة هي التي تهاجر بحثًا عن فرص عمل خارج لبنان.
وفي حديثها للجزيرة نت، تشير إلى أنّ لهذا النوع من الهجرة تأثيرا “كارثيا” على الاقتصاد اللبناني، لأنه يطال الفئة المنتجة التي تؤثر في عجلة الإنتاج، و”على المدى المنظور قد تؤدي إلى تدهور مضاعف في الخدمات الطبية والتعليمية ومختلف القطاعات الأساسية”.
وتتوقع كريّم أن تتسبب هجرة اللبنانيين في انحسار الثروات لدى فئة أو دائرة ضيقة غير مرتبطة بالدورة الاقتصادية العامة، “أما من يبقى فهو لأنه عاجز عن الهجرة، الأمر الذي يفسر ارتفاع مؤشرات الفقر وما جاء في تقرير الإسكوا من أن نسبة الفقراء تضاعفت في لبنان لتصل إلى 55% في عام 2020 بعد أن كانت 28% في عام 2019”.
وتختم بأن لبنان مقبل على تدهور اقتصادي لا قعر له، وذلك مع توجه “مصرف لبنان” إلى رفع الدعم لاحقًا عن السلع المستوردة من القمح والوقود والأدوية نتيجة تراجع احتياطاته بالدولار.
وتؤكد أن هذا الواقع، “يدفع كل من استطاع إلى الهجرة وأخذ جميع مدخراتهم، لعدم شعورهم بالأمان”.