منذ سنوات، تتأرجح العلاقة بين رئيسي “تيار المستقبل” سعد الحريري و”الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، فترتقي تارةً إلى مستوى “التحالف التاريخيّ” الذي لا يُمَسّ، وتهبط طوراً على وقع خلافٍ من هنا أو هناك، لا يلبث أن يُترجَم “افتراضياً”، وخصوصاً عبر “تويتر”، المنصّة الأحبّ على قلب “بيك المختارة”.
هكذا، أتت آخر “تغريدات” جنبلاط لتحمل أكثر من رسالة، وترسم أكثر من علامة استفهام، بعدما استبق الرجل الاستشارات التي لم يُحدَّد موعدها، ليدلي بدلوه، قائلاً إنّ “لا علاقة له بأيّ تيار سياسي آخر”، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، بقوله إنّه لا يَدين لأحدٍ بأيّ جَميل، مستشهداً بالانتخابات النيابية الأخيرة، وما شهدته من “تجاذب”.
ولأنّ هذه “التغريدة” ترافقت مع “تسريبات” تؤكد أنّ جنبلاط “متحفّظٌ”، حتى إشعارٍ آخر على الأقلّ، على تسمية الحريري لرئاسة الحكومة، فإنّها فتحت الباب واسعاً أمام تساؤلاتٍ وتكهّناتٍ بالجملة حول طبيعة العلاقة بين الرجلين، اللذين التقيا في الرابع من آب، ومن خلفها حول فحوى “الرسائل” التي يبعث بها “الاشتراكي”.
الاستشارات أولاً!
بالنسبة إلى “الحزب التقدمي الاشتراكي”، فإنّ الموقف “مبدئيّ” بالدرجة الأولى، كما يؤكد المطّلعون عليه، ممّن يشيرون إلى أنّ جنبلاط كان واضحاً بضرورة التزام السياق الدستوريّ، الذي يفرض على رئيس الجمهورية الدعوة إلى استشارات نيابية لتسمية رئيس حكومة جديد.
انطلاقاً من هذا “المبدأ الثابت”، لا يجد “الاشتراكي” نفسه معنياً، كما يقول هؤلاء، في “كشف أوراقه” من الآن، لأنّ “المعركة” الحقيقية التي يجب أن تُخاض اليوم برأيه، هي على تطبيق الدستور، عبر إجراء الاستشارات النيابية من دون إبطاء، على أن تختار الأكثرية النيابية من تشاء لتشكيل الحكومة، منعاً لتكريس “سابقة” التأليف قبل التكليف، التي يمضي “العهد” في “تشريعها” برأيه، دون حسيب أو رقيب.
وبانتظار “اصطلاح” الأمور قانونياً ودستورياً، فإنّ “الاشتراكي” لن يدخل في “لعبة الأسماء”، كما تؤكد أوساطه، ولو أنّ كلّ التسريبات المتداولة تشير إلى أنّه “حسم أمره” لجهة عدم تسمية سعد الحريري لرئاسة الحكومة، علماً أنّ موقفاً واضحاً في هذا الصدد نُسِب لعضو “اللقاء الديمقراطي” النائب وائل أبو فاعور بعد زيارته رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة خلال عطلة نهاية الأسبوع، وقد بقي من دون تأكيدٍ ولا نفي.
أسباب وهواجس
لكن ما لا يقوله “الاشتراكي” صراحةً، لجهة “التحفّظ” على تسمية الحريري لرئاسة الحكومة، أصبح “شبه محسوم” في الكواليس السياسيّة، ولو أنّ كثيرين لا يزالون “يراهنون” على أنّ “تليين” موقفه لن يكون بعيد المنال، إذا ما نجحت المساعي التي تُبذَل على أكثر من خطّ، في سبيل تأمين “التوافق العام” على اسم الحريري.
يقول العارفون إنّ أسباباً عديدة تدفع “بيك المختارة” إلى عدم “التمسّك” بالحريري كمرشّحٍ من دون منازع لرئاسة الحكومة، كما يفعل “صديقه” رئيس مجلس النواب مثلاً، أولها اعتقاده أنّ عودة الحريري إلى السراي في هذه المرحلة لا يمكن أن تتمّ إلا عبر إحياء “التسوية الرئاسية”، التي يرفض جنبلاط مجرّد “التفكير” بالعودة إليها، بعد كلّ ما جرّته من “ويلات”، فضلاً عن قناعته بأنّها لا تخدم عملياً سوى “التيار الوطني الحر” ورئيسه الوزير السابق جبران باسيل.
وبمُعزَلٍ عن “دقّة” الروايات التي تتحدّث عن أنّ “تحفّظ” جنبلاط مصدره خارجيّ، بظلّ غياب أيّ “ضوءٍ أخضر” للحريري لتولي رئاسة الحكومة حتى الآن، وهو ما يدفعه إلى الاصطفاف إلى جانب “القوات اللبنانية” في وجه رئيس تيار “المستقبل”، فإنّ هناك داخل “الاشتراكي” من يعتبر أنّ الحريري قد لا يكون “الأنسَب” للمرحلة، وأنّ تسميته لا تبدو بالحدّ الأدنى “منسجمة” مع الخطاب العام للحزب، الذي يتمسّك بمبدأ الحكومة الحياديّة والمستقلّة، بكامل وجوهها.
صحيحٌ أن العلاقة بين “الاشتراكي” و”المستقبل” لم تعد كما كانت قبل سنوات، بدليل “تعمّد” جنبلاط التذكير بمرحلة الانتخابات التي شهدت أكبر “فتور” بين الجانبين. إلا أنّ العارفين يؤكدون أنّ موقف الأخير من الاستشارات ليس مرتبطاً بأيّ خلاف، بل هو “مبدئي” إن جاز التعبير، علماً أنّ الحريري نفسه لم يحسم أمره من استحقاق رئاسة الحكومة، وهو ينتظر “اكتمال الصورة” ليبني على الشيء مقتضاه، كما يؤكدون…
المصدر: لبنان 24