بلغ لبنان لحظة مفصلية في مصيره و وظيفته على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وسط انطباع عن افول حقبة “لبنان الكبير” او حلم سويسرا الشرق التي كانت احد أبرز ارهاصات اتفاقية سايكس – بيكو لتقاسم النفوذ في المنطقة بين بريطانيا العظمى و فرنسا.
يبرر ديبلوماسي اوروبي في بيروت الاندفاعة الدولية صوب لبنان بعدم انتفاء دور هذا البلد وظيفته إقليميا ودوليا وحضوره القوي على الخرائط التي يعاد رسمها من جديد، والدليل على ذلك الإقبال الدولي فور وقوع انفجار مرفأ بيروت، كما أن التدخل الدولي من باب الوضع الاغاثي الذي يشهد وتيرة تصاعدية.
يجري ذلك، في ظل تفكك الدولة تحلل مؤسساتها و وسط إرباك سياسي منقطع النظير أمام التحديات الكبيرة المقبلة، لعل تشكيل الحكومة هو النموذج الامثل على التخبط السائد كما استمرار حالة الإنكار و المكابرة المستحكمة في ذهنية الطبقة الحاكمة، ما يفتح المجال واسعا نحو احتمال بقاء لبنان دون حكومة وفي ظل حالة تصريف أعمال طويلة لن يخرقها سوى تدخل خارجي فاعل.
تعاكس الصراعات المحلية مع التناقضات الدولية سبل إيجاد حلول او إنتاج تسوية تفضي إلى تشكيل حكومة ووصول الأمور إلى خواتيمها من أجل التقاط لبنان بعض أنفاسه، يجري ذلك بينم النقاش الدائر بين الأطراف السياسية قائم على المحافظة على ما أمكن من متاريس على جبهة الحكم و التعلق بمعالجة القشور بما في ذلك شكل الحكومة العتيدة، مع الاخذ بعين الاعتبار وجهات نظر فرنسا الرائدة الخبيرة في تعقيدات المشهد اللبناني كما القراءة المتأنية لطبيعة الاقتحام الأميركية ومداه بما يتجاوز الاصرار على وقف طرق الإمداد الايراني إلى حزب الله وصولا إلى الطموحات الروسية في المياه الدافئة، الأمر الذي يعيد إلى الذاكرة مرحلة تدخل القناصل والرهان على تحريك الدول العظمى اساطيلها صوب الشواطئ اللبنانية في القرن الماضي.
على الضفة المقابلة، تقصدت إيران إيفاد وزير خارجيتها محمد جواد ظريف بالتزامن مع وجود الموفد الأميركي ديفيد هيل كرسالة علنية وواضحة بعدم استعدادها للتراجع في لبنان كما حصل في العراق، بل على العكس تماما تفيد معلومات بأن إيران ستخوض مواجهة مفتوحة من أجل عدم تطويق “حزب الله” بأزمات لبنان وفرض عزله عن محور المقاومة.
يندرج في هذا الإطار، الإشارات المتكررة التي يرسلها جبران باسيل صوب الخارج وتحديدا بإتجاه الإدارة الأميركية دون أن يصدر عن تلك الإدارة مطلق إشارة، بما يوحي بالتهميش التام وتزايد الضغوط، بما يوحي بأن الإدارة الأميركية لا تريد الاعتراف بالواقع الذي كرسه “حزب الله” عبر تركيبة الحكم القائم حاليا.
جهات في “التيار الوطني الحر” لا ترى الأمور من هذا المنظار بل على العكس تماما، إذ تستبعد إدراج باسيل على لوائح العقوبات الاميركية رغم الجو الرائج وتضع ذلك في إطار التهويل المعتمد على العهد وباسيل لانتزاع المزيد من التنازلات، كما لا تخفي الجهات المذكورة اعتماد سياسية الانتظار من أجل تحقيق انفراجات في الاجواء الاقليمية ما بين أميركا و إيران و هو حتمية تاريخية في ظل الوقائع الراهنة، بغض النظر كل يتطلب ذلك من تضحيات كبيرة سيتكبدها لبنان من آمنه واستقراره.