كتب وليد شقير في “نداء الوطن”: قبل أكثر من أسبوع، حاولت جهات مالية دولية إقناع الحكومة المستقيلة وكبار المسؤولين بتعبئة الفراغ في فترة تصريف الأعمال، من أجل اتّخاذ بعض الإجراءات الإصلاحية التي تساعد على تعديل نظرة المجتمع الدولي الذي يربط المساعدة المالية له بخطوات إصلاحية عاجلة، لكنّ جواب المسؤولين ولا سيّما الحكومة برئاسة حسّان دياب،
جاء سلبياً. توخّى أصحاب النصيحة أن يستفيد لبنان من حملة التضامن الدولي معه جرّاء كارثة 4 آب، لعلّ المساعدات الدولية لا تقتصر على الجانب الإنساني، وتتعدّاها إلى ما هو مطلوب لإنقاذ الإقتصاد أيضاً والمشروط بالإصلاحات، لكنّ محاوريهم خذلوهم.
ومع أنّ الحجّة هي أنّ الحكومة في حالة تصريف أعمال “بالمعنى الضيّق” كما ينصّ الدستور، فإنّ الجهات التي بذلت المحاولة تُدرك ذلك، لكنّها تعرف أيضاً أنّ المأزق الإقتصادي اللبناني الداهم، الذي ضيّعت الحكومة المستقيلة زهاء 8 أشهر في التصدّي له بدءاً بالإصلاحات، يُشكّل حافزاً كي يبتدع كبار المسؤولين تفاهماً على تمرير بعض القرارات التي ألحّ عليها صندوق النقد الدولي في المشاورات المتعثّرة التي أجريت معه، تُسرّع استعادة بعض الثقة الدولية المفقودة بالمسؤولين اللبنانيين، من أجل مدّه بجرعة صمود مالية، ريثما يستكمل خطّة التعافي الإقتصادي.
تزامنت هذه المحاولة في شكل منفصل مع النتائج التي خلص إليها أبرز الموفدين الدوليين إلى بيروت بعد الكارثة، بدءاً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 6 آب، مروراً بوزير الخارجية الألماني هايكو ماس، انتهاء بوكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل، فضلاً عن الموفدين العرب.
فماكرون وهيل عبّرا علناً عن الخيبة من الإخلال بوعود الإصلاحات العاجلة، والأخير قال في تصريحه مساء الأربعاء إنّ “بعض” المسؤولين يستوعبون خطورة الوضع الإقتصادي والحاجة إلى الإصلاحات سريعاً، فيما هناك آخرون ما زالوا في حالة “إنكار”.
مجموعة الدعم وتغريدة كوبيش
انعكست خيبة الأمل خلال اجتماع عُقد الإثنين الماضي لسفراء الدول الأعضاء في “مجموعة الدعم الدولية للبنان” في بيروت لتقييم الوضع، غرّد بعده المنسّق الخاص للأمم المتحدّة في لبنان يان كوبيش، مُعبّراً عن “قلق شديد” لدى هؤلاء السفراء الذين بحثوا “التحذيرات الصارمة التي وجّهها زوّار رفيعو المستوى للسلطات والقادة السياسيين،
الذين جاءت أغلب ردود أفعالهم مخيّبة للآمال”. كرّر كوبيش بالنيابة عن هذه الدول التأكيد أنه “في غياب الإصلاحات العاجلة، وما تتطلّبه من دعم سياسي واسع، لا يمكن للبنان الإعتماد على أي حزمة إنقاذ دولية”.
وحضر الإجتماع، إضافة إلى سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية، سفيرا ألمانيا وإيطاليا، ممثّلو الإتحاد الأوروبي والجامعة العربية والأمم المتحدة والبنك الدولي.
ما وصفه كوبيش بـ”ردود أفعال السلطات والقادة السياسيين المخيّبة للآمال” جاء على لسان معظم الحاضرين، وخصوصاً سفراء الدول التي كان لها موفدون كبار، فعرضوا “الخيبة” التي خرج بها هؤلاء الموفدون.
وممّا قيل في هذا المجال أنّه حين أكّد ماكرون أنّ جميع القادة مسؤولون عمّا آل إليه الوضع، حاول بعض الأحزاب أو الجهات التبرّؤ من المسؤولية بالرغم من دورها في الحكم خلال السنوات الـ 15 الأخيرة،
لكن الإصلاحات معروفة. وما ردّده ماكرون وهيل وسائر السفراء كان عبارة واحدة هي “العاجلة”، والتي تعني أن هناك خطوات لا تتطلّب تحضيراً ووقتاً، لا سيما في الكهرباء واستكمال تعيين الهيئة الناظمة ومجلس الإدارة والتحضير للمناقصات الشفّافة وإقرار قوانين،
لا اقتناع بحجّة تصريف الأعمال
لا يقتنع سفراء الدول الكبرى بالحجّة القائلة إنّ الحكومة تُصرّف الأعمال ولا يُمكنها الإقدام على شيء.
ففي ظلّ المأساة التي وقعت بانفجار المرفأ الكارثي الذي حوّل بيروت مدينة منكوبة، لا يعني تصريف الأعمال الجلوس على الكرسي وانتظار الحكومة الجديدة،
ويقول مصدر سياسي لبناني بارز لـ”نداء الوطن” في هذا السياق، إنّ التذرّع بالدستور لتبرير عدم القدرة على اتّخاذ قرارات أثناء تصريف الأعمال لا يستقيم، وفي كلّ الأحوال، متى حصل توافق وطني على أمر ما، يغطّيه الجميع، ويمكن تنفيذه بلا صعوبة، لأنّ البلد يمرّ في حالة استثنائية، وفي ظلّ كارثة إنسانية ومالية، ويُمكن لهذا التوافق على أمور عاجلة أن يُمرّر كلّ شيء.
وأصلاً، فإن ماكرون حين غادر، كان يأمل في أن تُقدِم حكومة دياب على الإصلاحات “العاجلة” في غضون أسبوعين أو ثلاثة، ليعود في 1 أيلول ويبني على الشيء مقتضاه، وليتمّ تأليف حكومة تحظى بالتوافق الوطني بعدها. ولم يحصل شيء منذ مغادرته. والوضع بات ملحاً أكثر، بعدما تسرّب عن أنّ مصرف لبنان سيستنفد الإحتياطي الذي ينفقه بالدولار، لتأمين المواد الأساسية التي يحتاجها البلد بعد 3 أشهر.
الحجّة نفسها بعد استقالة الحريري
واللافت أنّ بعض السفراء سئموا من سماع الحجج نفسها لتأخير بعض الإصلاحات السهلة، إذ سبق أن سمعوها في الفترة الفاصلة بين استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري وبين تأليف حكومة حسّان دياب، في الخريف الماضي، وهي حجج لم تعد مُقنِعة.