كما كان مُتوقّعاً، جاء كلام رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بعد إصدار المحكمة الدولية في جريمة اغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري حكمها، “مدروساً ومسؤولاً”، إذ “احتوى” أيّ تداعياتٍ “فتنويّة” على الأرض كان يتخوّف منها كثيرون، وأولهم رئيس تيار “المستقبل” نفسه.
لكنّ كلام الحريري لم يخلُ في المقابل، من بعض الإشارات السياسيّة “المعبِّرة” بمعانيها ودلالاتها، لعلّ أهمّها قوله إنّه ليس مستعدّاً للمزيد من التضحيات والتنازلات، بعدما أدّى قسطه للعُلى في هذا الإطار، رامياً “الكرة” في ملعب “حزب الله”، بقوله إنّ “التضحية يجب أن تكون اليوم” من جانبه.
ومع أنّ الحريري وضع هذه “التضحية” في السياق “الجنائيّ” المرتبط بالمحكمة وما صدر عنها، حين قال إنّه “أصبح واضحاً أنّ شبكة القتلة خرجت من صفوف الحزب”، فإنّ “الترجمة السياسية” لكلامه بدت أكثر وضوحاً، عشيّة استحقاق رئاسة الحكومة التي باتت “حساباتها” تتفوّق على كلّ ما عداها.
شرط جديد؟!
ثمّة من قرأ في كلام الحريري من لاهاي، “شرطاً جديداً” يضعه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، يتعلّق بتسلم المتَّهّم الرئيسي بجريمة اغتيال والده، وفقاً لحكم المحكمة، وهو سليم عياش، العنصر في “حزب الله”، قبل أيّ بحثٍ في رئاسة الحكومة وإمكان العودة إليها.
ويبدو مثل هذا التحليل “منسجماً” مع ما يُحكى عن “ضغوطٍ” يتعرّض لها رئيس الحكومة السابق للتصعيد في وجه “حزب الله”، في حال أراد استكمال مسيرته السياسيّة، علماً أنّ الحريري لم يحصل حتى الآن على “الضوء الأخضر” الخارجيّ للعودة لرئاسة الحكومة، والذي يتمسّك به حتى إشعارٍ آخر، وفق ما يؤكّد العارفون.
لكن، في المقابل، ثمّة من اعتبر كلام الحريري هذا “محصوراً” في السياق والزمان والمكان، وبالتالي لا انعكاسات مفترضة له على المستوى السياسي الداخليّ، وذلك انطلاقاً من مواقف سابقة للرجل أطلقها من لاهاي نفسها، وأكّد فيها “الفصل الكامل” بين مسار “العدالة” الذي تمثّله المحكمة الدولية بالنسبة إليه، والاستحقاقات السياسية وشؤونها، وهي مواقف سبق أن نالت “ثناء” قيادة “حزب الله” وغيره.
الحزب “يتفهّم”؟!
يبدو “حزب الله” أقرب إلى هذا الاستنتاج، ولو تمسّك بـ “الصمت المُطلَق” إزاء قرارات المحكمة كما مواقف الحريري، وهو ما عبّر عنه عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله بكلامٍ واضحٍ وصريحٍ، مفاده أنّ ما صدر عن المحكمة “لا يعني” الحزب من قريب أو بعيد، وهو موقفٌ جاء منسجماً مع المواقف التي أطلقها الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله عشية جلسة النطق بالحكم أصلاً.
لكنّ صمت “حزب الله”، معطوفاً على التعليقات اللافتة لـ “توأمه السياسيّ”، رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي لم يتردّد في “الإشادة” بتصريحات الحريري، ووصفها بـ “المسؤولة”، والإيحاء بأنّها زادت “اقتناعه” بضرورة تسميته لرئاسة الحكومة، إن دلّ على شيء، فعلى أنّه “يتفهّم” كلام رئيس الحكومة السابق، بل إنّه “يتقاطع” مع رغبة الحريري بتجنّب “التصعيد” مهما كان الثمن، ولو أنّ الجميع يعرف سلفاً أنّ “تلبية” طلب تسليم عياش إلى السلطات هو من “سابع المستحيلات”.
وفي وقتٍ يرفض المقرّبون من “حزب الله” التعليق على كلّ التطورات المتعلّقة بملف المحكمة وتداعياتها، انطلاقاً من التوجّه العام الذي يقضي بـ “تجاهلها” واعتبارها “كأنّها لم تكُن”، فإنّ ثمّة من يلفت إلى أنّ “مشكلة” الحريري الفعليّة ليست مع “حزب الله”، بل مع حلفائه وأصدقائه قبل أيّ أحد، علماً أنّ القاصي والداني يدرك أنّ “حزب الله” لا يمانع، وربما “يبارك” في الخفاء عودة الحريري للسراي، بخلاف بعض “حلفاء” الرجل ممّن يجاهرون برفض تسميته، كما فعل رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أخيراً.
ليس سرّاً أنّ “حزب الله” ليس بوارد “تسليم” سليم عياش، بعدما وضعه سابقاً في مصاف “الأبطال والقديسين”، انطلاقاً من قناعته بأنّ الاتهام المُوجَّه ضدّه “سياسي”. وليس سرّاً أنّ الحريري يدرك هذه الحقيقة سلفاً، ويعرف أنّ أيّ “تضحية” يطلبها من “حزب الله” في هذا السياق ستكون “مردودة مع الشكر”. لكن، بين هذا وذاك، قد لا يكون “سرّاً” أيضاً، أنّ كلّ ما قيل ويُقال في هذا السياق ليس أكثر من عنصر “إلهاء”، ريثما تكتمل الصورة السياسية، التي يتّكل فيها الحريري على “دعم” الحزب، ولو من خلف الكواليس!.