فتح خطاب رئيس التيار “الوطني الحر” جبران باسيل أمس بوابة الجدل على مصراعيها في الأروقة السياسية والاعلامية، فمنهم من اعتبر أن النبرة الحادّة في المصطلحات التي اختارها توحي بتصعيد سياسي في المرحلة المقبلة وبإمكانية اتخاذ التيار خطوات سياسية بارزة وانقلابية بالمعنى الاستراتيجي ومختلفة عما حاول اظهاره في الاشهر الفائتة، ومنهم من رأى أن باسيل الذي يجيد اللعب على الاحتمالات يدرك “بشطارة” مُلفتة إيصال الرسائل.
ووفق مصادر مطلعة فإن “الوطني الحر” بعد خطاب باسيل الاخير ليس كما قبله، إذ ان التنازلات التي قدّمها للاميركيين والتي تظهّرت من خلال كلام باسيل يمكن تقسيمها الى ثلاث نقاط رئيسية.
وقالت المصادر ان عدم مشاركة باسيل في الحكومة هو احد اهم شروط القوى الغربية وتحديدا فرنسا ،والولايات المتحدة الاميركية، اللذين يعتبران ان باسيل يجب ان ييقى خارج السلطة التنفيذية لعدة اسباب منها عرقلته للعملية الاصلاحية المطلوبة بشكل اساسي من الغرب مقابل انقاذ لبنان ماليا ونقديا، اضافة الى كونه يشكل رأس حربة في الدفاع عن “حزب الله” ومنحه غطاء مسيحيا واسعا وغطاء دستوريا داخل المؤسسات.
اما التنازل الثاني، فقد تمثل في اعلانه الاستعداد للتمايز عن “حزب الله” في الملفات الداخلية، اي المساهمة بشكل او بآخر في عزل الحزب سياسيا، الامر الذي بات معروفا بأنه مطلب اميركي أساسي، لكنه وفي الوقت عينه اكد على تحالفه الراسخ مع الحزب في الامور الاستراتيجية والمرتبطة بالسلاح ومحاربة اسرائيل، غير أن ذلك، وبحسب المصادر، لن يمنع الاشتباك بين العونيين و”حزب الله” في المرحلة المقبلة ما من شأنه أن يزيد من عزلة الحزب.
اما التنازل الثالث الذي المح اليه باسيل، من دون التطرق اليه بشكل واضح وعلني، بدا في حديثه عن التسويات الاقليمية سواء بين الولايات المتحدة الاميركية وايران او لجهة مبادرات السلام مع اسرائيل، لافتا الى انه يجب على لبنان ملاقاة هذه التسويات بتسويات داخلية تؤسس لتجديد التقارب مع الغرب، ما يوحي بأنه اعطى مؤشرات لمن يهمه الامر على المستوى الدولي، ولعل واشنطن ابرزهم، بأنه جاهز للتفاوض في عدة تسويات مرتبطة بملفات المنطقة.
بالمحصلة بدا جليّاً لأي متابع لأداء باسيل السياسي ان خطابه الذي ظهر على شكل مواجهة وأكد على الثوابت والالتزام بالتحالف مع “حزب الله” والاستعداد لتحمل سوط العقوبات، هو في الواقع من حيث المضمون رفع راية الاستسلام امام الضغوط الاميركية.