ما يجري على الساحة اللبنانية منذ الرابع من آب، أي بعد الإنفجار – الكارثة مباشرة هو التدويل بحدّ ذاته، وإن رفضت السلطة تدويل التحقيق، ولكنه تدويل مقنّع، بحجة أن الدول “الهاجمة” على لبنان إنما هي تأتي إليه عن طريق المساعدات الإنسانية، التي يحتاج إليها لبنان، سواء أكانت عربية أم أجنبية أو حتى إيرانية.
وما يؤكد هذه النظرية مسارعة الدول على إرسال مسؤوليها إلى لبنان، بدءًا بزيارة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، مرورًا بالموفد الأميركي دايفيد هيل، وصولًا إلى وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، وما بينهم وزير خارجية مصر والأمين العام لجامعة الدول العربية وأكثر من مسؤول تركي رفيع المستوى،
مع ما يحمله كل واحد منهم من طروحات ومن مقترحات لإيجاد حل لأزمة لبنان، في وقت كان العالم مقاطعًا للبنان، حين كانت حكومة “اللون الواحد” على رأس السلطة التنفيذية، ما يعني أن هذه الدول غير مستعدة لكي تخاطب حكومة لا تمثّل مختلف شرائح المجتمع اللبناني، بغض النظر عن الخلاف القائم بين الإدارة الأميركية و”حزب الله”،
وهذا ما تحاول فرنسا تسويقه لدى واشنطن في حال أرادت عدم ترك لبنان ينساق تلقائيًا نحو الإنهيار الشامل.
ففكرة التدويل إعتاد اللبنانيون على التعايش معها منذ العام 1978، إذ أن الأمم المتحدة تحركت وأرسلت قوات الطوارىء الدولية (اليونيفل) إلى جنوب لبنان رداً على الاجتياح الإسرائيلي له آنذاك، في مهمة حفظ سلام لا تزال مستمرة حتى اليوم، وبصيغة معززة بموجب القرار 1701، الذي أقره مجلس الأمن في نهاية حرب تموز 2006، التي تحدث عنها وعن نتائجها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بالأمس بإسهاب في كلمة له بمناسبة ذكرى الانتصار في هذه الحرب، معتبرًا ان “ما جرى في تموز 2006 كان حربا حقيقية،
وهذا ما اعلنه العدو عندما نقل توصيفها من عملية الى حرب وسماها حرب لبنان الثانية، كانت حربا فرضها العدو بقرار اميركي. وبيّن انه “كانت لتلك الحرب ثلاث نتائج استراتيجية على اكثر من مستوى، من بينها ايقاف وافشال مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي كانت تديره اميركا، وهذا ما بشرت به كوندلايزا رايس وكل الوثائق اكدت ان الحرب على لبنان كانت جزءًا من هذا المشروع وكان مخططا ان يدخل لبنان في الهيمنة الاميركية والعودة الى المنطقة لتصفية القضية الفلسطينية، وثم يتم تكريس خريطة جديدة للشرق الاوسط تكون فيها اسرائيل هي المحور لكل ما يجري في المنطقة، والاميركي يحاول الآن تثبيت اسرائيل.
وما لم تستطع الولايات المتحدة الأميركية أن تفرضه في الحرب، من وجهة نظر من يدور في فلك “حزب الله”، تريد فرضه بالسلم، عن طريق تدويل أزمة لبنان، بحيث يكون لواشنطن شروط غير متوافرة ظروفها من خلال الأمم المتحدة، التي ستصطدم بـ”فيتو” روسي وصيني، بعدما فشلت في تحوير مهمة “اليونيفل” من خلال تقصير ولايتها وتعديل مهامها.
وفي رأي بعض المراقبين أن ما يجري على طول شواطىء البحر الأبيض المتوسط من ليبيا حتى لبنان يدخل في إطار “التدويل” المتعدد الوجوه، ويأخذ شكلًا من أشكال
الصراعات الثنائية، وهذا ما تمظهر من خلاف فرنسي – تركي، قد يترك بصماته على الأرضية اللبنانية، وإن كانت لأميركا مخططات أخرى في المنطقة، وعبر لبنان، من خلال ما يسمى بترسيم الحدود البحرية والبرية، وهي مفاجآت تعدّها واشنطن للبنان، وذلك بعد تعاظم الدور الروسي الآخذ في التمدّد إنطلاقًا من سوريا.
المصدر: لبنان24