يوم كانت حكومة حسّان دياب، وقيل عنها حكومة مستشارين، تحتاج إلى من يقرّر عنها في المفاصل المهمة في حياة الوطن، دعا الرئيس ميشال عون رؤساء الجمهوريات السابقين ورؤساء الحكومات السابقين ورؤساء الكتل النيابية ورؤساء الأحزاب إلى طاولة حوار للإتفاق على صيغة تنقذ لبنان مما يتخبط به من أزمات كعنوان عريض من دون تحديد جدول أعمال،
وذلك من أجل التعوبض عن النقص الواقعة فيه حكومة لا تستطيع أن تتخذ أي قرار من دون الرجوع إلى أقطاب اللون الواحد، الذين عينوهم في مواقعهم الوزارية، وكانوا يرجعون إليهم عند كل شاردة وواردة، الأمر الذي جعل من هذه الحكومة حكومة دمى ليس إلا، والدليل إلى ما نقول من دون أن نكون نسوق كلامًا في غير محله أن هؤلاء الأقطاب كانوا يهدّدون في كل مرّة لا تعجبهم القرارات المتخذة بسحب وزرائهم من الحكومة.
وعلى ذمة الراوي أن الوزراء كانوا يضطرّون في كل جلسة لمجلس الوزراء إلى الخروج من القاعة لأخذ التعليمات من مراجعهم السياسية عندما كان الأمر يتعلق بأمور غير متفق عليها داخل المجلس وتحتاج إلى قرار ما لم يكن الوزراء – المستشارون قادرين على إتخاذه من تلقاء أنفسهم من دون العودة إلى من عيّنهم.
من هنا تبدو الحاجة في هذه الظروف الدقيقة والخطيرة التي يمرّ بها الوطن إلى وزراء أسياد قراراتهم ولا يحتاجون إلى أخذ الإذن ممن هم أعلى منهم رتبة، وهذا الأمر لا يتأمن إلا بحكومة أقطاب لا تحتاج عندما تُتخذ القرارات إلى أي مراجعة من دون أن ينفي ذلك ضروة التشاور بين من هم من الخط السياسي نفسه حتى تأتي هذه القرارات شبه إجماعية لما فيه المصلحة الوطنية دون غيرها.
فكما أن رئيس الجمهورية هو الأقوى داخل بيئته، وكذلك هو رئيس مجلس النواب، فإنه يفترض أن يكون رئيس الحكومة الأقوى في بيئته من حيث التمثيل النيابي والشعبي. وكما هم الرؤساء الأقوى فإنه يُفترض بالوزراء أن يكونوا أقوى الأقوياء، لأن البلاد تحتاج إلى قرارات جريئة ومصيرية، بحيث لا يعود من ضرورة للدعوة إلى طاولة حوار بإعتبار أن هذه الطاولة هي في حالة إنعقاد دائم من خلال جلسات مجلس الوزراء، المدعو إلى مواقف وطنية كبيرة بعيدة كل البعد عن المزايدات الصغيرة، التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه.
وتوازيًا لحكومة الأقطاب هناك نبض الشارع، الذي يبقى صمام الأمان لنجاح هذه الحكومة من خلال مراقبة نمط مسارها وما تتخذه من قرارات إنقاذية. فإذا أحسنت هذه الحكومة التصرف يكون هناك من يصفق لها. وإذا أخطأت يكون لقاء الإرادات في الشارع بعدما تبين أن حراك هذا الشارع له فعالية كبرى متى توحدّت الإرادات، لأن الوقت لم يعد يسمح لأحد التعاطي مع الأمور الكبيرة بخّفة ومن دون مسؤولية، لأن حكم التاريخ سيكون صارمًا وموجعًا هذه المرّة.
فإذا نجحت هذه الحكومة في إيصال الوطن إلى الشاطىء الأمين يقف الجميع إلى جانبها. أما إذا أخفقت وطغت على قراراتها الآحادية والشخصانية فإن مزبلة التاريخ ستكون في الإنتظار، وستكون ثورة ما بعدها ثورة تقلب الطاولة على رؤوس الجميع من دون هوادة.