مشهدان يسيطران على الحياة السياسية في لبنان بعد الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروتالاسبوع الفائت. المشهد الاول للحراك الشعبي الذي انطلق عفوياً في منطقتي الجميزة ومار مخايل عبر مبادرة انسانية تهدف الى مساعدة المواطنين على ترميم منازلهم وتساهم في إزالة الركام من الشوارع، وبدا شبه منظم في ساحة الشهداء قبل ايام، والمشهد الثاني، المناقض للاول تماما، مرتبط بالتسوية السياسية الاقليمية والداخلية التي بدأت تلوح في الأفق. ومن هنا يجوز الحديث عن عدة ملاحظات في ما يخص الانتفاضة الشعبية التي تحرّكت وفق خطوات خاطئة وربما غير مدروسة.
من الواضح ان الحراك الشعبي حاول بطريقة او بأخرى الاستثمار في الزخم العاطفي الذي اشتعل بعد تفجير مرفأ بيروت، الامر الذي ساهم في اعادة تكوين الكرة الشعبية وزيادة حجمها تدريجيا حتى اقتربت الحشود من خطّ ملء ساحة الشهداء، ولكن في الحقيقة، اخطأ منظمو الحراك الذين لم يستطيعوا الاستفادة، وللمرة الثانية، من الحالة الشعبية التي جرى استقطابها الى الشارع فانقلب السحر!
مما لا شك فيه ان الثورة، وبحسب مراقبين، تجددت في توقيت خاطىء، اذ ان التصعيد الذي بلغه الحراك ووصل الى درجة العنف الثوري الذي تجسد في اقتحام بعض الوزارات جاء في وقت متأخر جدا من مرحلة المواجهة بين جزء من الشعب اللبناني والطبقة السياسية الحاكمة، خصوصا وان هذا الامر حدث بعد زيارة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الذي حمل في جعبته تسوية سياسية مع القوى السياسية الاساسية في لبنان والعمل جاري على اتمامها في الايام المقبلة، وبالتالي فإن الحراك الشعبي حاول قلب المشهد في توقيت اقليمي ودولي وداخلي غير مناسب، خصوصا وان غالبية الدول تسعى الى ترميم البيت الداخلي اللبناني بعد ما تيقّن جزء كبير منها ان القوى السياسية في السلطة لا تزال تسيطر على شريحة واسعة من الحالة الشعبية، وبالتالي فهم غير مستعدين للمخاطرة مجددا في تبني حراك شعبي ضخم قد يؤدي الى الانهيار الكامل الذي لا يريده اي من دول الغرب وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية.
وان اعتبرنا ان التوقيت لم يكن في يد المنظمين والناشطين، غير ان الخطأ الكبير حصل عند الدخول الى الوزارات والسيطرة عليها، لأن “الثوار” لم يستطيعوا ترجمة عمليتهم الى انتصار اعلامي، بل قاموا بتحويلها الى ما يشبه الانقلاب وسطّروا البيانات التي توحي بأنهم تمكّنوا تماما من وزارات الخارجية والبيئة والاقتصاد، الامر الذي اعطى زخماً للثورة على المستوى الشعبي ولكن سرعان ما ادرك هؤلاء بأن القوى الامنية لم تكن قد تحركت بعد مفسحة في المجال امامهم للتراجع، وهذا ما حصل فعلا بعد دقائق من تحرّكهم العشوائي.
من هنا، كان يمكن للمجموعات الناشطة ان تقتحم الوزارات وتحقق انتصاراً اعلاميا كبيرا ثم تخرج منها ضمن إيطار الضغط المستمر على القوى السياسية، الا ان قرار الايحاء بسيطرتهم الكاملة عليها ادى الى احباط كبير تلا عملية اخراجهم منها بالقوة وبسهولة مطلقة، وسلبهم فرصة تحقيق نصر معنوي واعلامي اذ انقلب ضدّهم وتحوّل الى خيبة واحباط في الشارع اللبناني.
المصدر: لبنان 24