لم يحذُ جعجع حذو هؤلاء، ليس لأنّه “مؤمن” بالقدرة على “التأثير” من الداخل، وهو الذي يعتبر أنّ مجلس النواب، بتركيبته وصيغته الحاليّة، هو “لبّ” المشكلة أصلاً، كما تؤكّد أوساطه، ولكن لأنّه يريد “ضمان” النتائج التي يمكن أن تفضي الاستقالة إليها، وبالتالي أن تؤدّي حكماً إلى انتخاباتٍ نيابيّة مبكرة يتطلّع إليها، لعلّها تؤسّس لـ “التغيير الجذري”.
“الحذر واجب”!
خلال عطلة نهاية الأسبوع، تعدّدت الاستقالات من مجلس النواب، التي أطلق حركتها عضو “اللقاء الديمقراطي” النائب مروان حمادة، قبل أن تلتحق به كتلة “الكتائب”، إضافةً إلى عددٍ من النواب “المستقلّين”، أو ممّن ارتأوا “التغريد” خارج سرب “كتلهم”، ولو بصورةٍ شخصيّة، كما فعل النائبان هنري حلو من “الاشتراكي” وديما جمالي من “المستقبل”.
لكنّ هذه الاستقالات وُصِفت في بعض الأوساط بـ “العشوائية”، وغير المدروسة، وقبل ذلك، غير المنسَّقة، ما أفقدها برأي كثيرين “القيمة المرتجاة” منها، خصوصاً أنّها من الناحية القانونية، لن تفضي سوى إلى “شغور” المقاعد التي يشغلها النواب المستقيلون، ودعوة السلطة إلى انتخابات فرعية، إن لم تتحجّج بـ “الظروف القاهرة” للتقاعس عن ذلك، ولو كرّس مخالفةً قانونيّة ثابتة، كما فعلت مراراً وتكراراً في السابق.
من هنا، يعتبر “القواتيون” أنّ “الحذر واجب”، حيث أنّ استقالة كلّ نوابهم، إلى جانب من استقالوا، لن تقدّم أو تؤخّر عملياً، وهي تستند في هذا “المنطق” إلى ما يؤكده الخبراء القانونيّون والدستوريّون، الذين يشدّدون على أنّ الاستقالة لا يمكن أن تؤتي مفعولها، إذا لم تشمل الأكثرية النيابية المُطلَقة، أي نصف عدد النواب زائداً واحداً، لأنّه بهذه الحالة فقط تتعطّل جلسات المجلس، ويصبح الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة بمثابة “الأمر الواقع”.
الفكرة طُويت؟!
ولأنّ هذا الأمر “غير متوافر” حالياً، نشطت الاتصالات خلال الساعات الماضية بين “القوات” من جهة، و”الاشتراكي” و”المستقبل” من جهة ثانية، استناداً إلى “منطق” آخر أراد البعض “التسلّل” عبره، ألا وهو “الميثاقية”، باعتبار أنّ استقالة نواب “المستقبل” و”الاشتراكي” يُفقِد مجلس النواب تمثيل مكوّنيْن طائفيّيْن أساسيّيْن، ما من شأنه أن يفضي حُكماً إلى “تعطيل” جلسات مجلس النواب، التي يرفض رئيس البرلمان أصلاً عقدها من دون حضورهما.
لكنّ الوقائع والمُعطيات تشير إلى أنّ الفكرة، ولو وُضِعت على النار خلال ساعات يوم أمس، اصطدمت بـ “معوّقات” بالجملة، يبدو برأي بعض المتابعين، أنّها ستسحبها تلقائياً من التداول، أولها، وربما أهمّها، التباين في وجهات النظر بين الأطراف الثلاثة حول “مبدأ” الانتخابات المبكرة، والقانون الذي ستجري على أساسه، باعتبار أنّ “القوات” تريد إجراءها وفق القانون الحاليّ، الأمر الذي لا يبدو “المستقبل” و”الاشتراكي” متحمّسيْن له، إذ يعطيان الأولوية لإقرار قانونٍ انتخابيّ جديد غير مفصَّلٍ على قياس “العهد”، الأمر الذي يتطلّب وجودهما في البرلمان.
إلى ذلك، ثمّة من يتحدّث عن “تسوية” أو “صفقة” تمّ التوصّل إليها بين “الاشتراكي” و”المستقبل” ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ولو على حساب “القوات”، وقضت بالتضحية بالحكومة “كرمى” لبقاء البرلمان، علماً أنّ بري بدا كمن أطلق بنفسه “رصاصة الرحمة” على الحكومة بدعوته لجلسة مساءلة لها، فُسّرت على أنّها مقدّمة لإقالتها في حال لم تستقل من تلقاء ذاتها. ولعلّ قول رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط إن الاستقالة، التي وصفها بالانتصار السياسي الكبير، “كانت مطلبنا الأساس، وقد تحقّق”، خير تعبيرٍ عن هذا المنحى.