دخل لبنان مع استقالة حكومة الرئيس حسان دياب في مرحلة جديدة تقوم على العمل لتشكيل حكومة جديدة في اسرع وقت، خاصة وان الظروف كافة لا تحتمل المناكفات السياسية والدخول مجددا في لعبة الصراعات المحلية.
لقد ارتكب دياب خطأ قاتلا عندما تبنى الدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة، الامر الذي شكل رصاصة رحمة في رأس حكومته المتداعية. فالاستقالات المتتالية مثلت عنصر إضعاف للحكومة، الامر الذي طرح شكوكا كثيرة حول قدرتها على الاستمرار،
لكن كلام دياب عن انتخابات نيابية مبكرة ادى الى استفزاز القوى الاساسية الحاضنة لهذه الحكومة ( الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر)، ذلك أن هذا المطلب الذي رفضه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بصورة واضحة في زيارته الاخيرة لبيروت،
انما يبقى مطلب الاميركيين وحلفائهم في الداخل، لذلك بدا دياب في هذه اللحظة مدفوعا بسوء تقدير وكأنه ينزلق الى حيث يريد اخصام القوى الداعمة للحكومة.
ما زاد الامر دراماتيكيا هو أن ماكرون الذي أيد الدعوة الى حكومة وحدة وطنية لم يدع الى تخل فوري عن حكومة دياب، بل فهم منه ان هذه الحكومة لا تزال مطالبة بأن تقوم بدور في الاصلاحات المطلوبة، لذلك يمكن القول إن الحكومة سقطت لأسباب محلية صرف لا علاقة للضغوطات الدولية بالنتيجة التي أدت الى اسقاطها.
لا شك في أن الانتخابات النيابية المبكرة مسألة غير مطروحة جديا في هذه المرحلة، فحتى الرئيس سعد الحريري ليس جاهزا لها، هذا فضلا عن ان إجراء هذه الانتخابات مرتبط بقانون انتخاب جديد وهو أمر بحد ذاته معقد وشائك، علما ان القوى التي تتحدث عن قانون جديد هي حركة “امل” وتيار “المستقبل” والحزب الاشتراكي في حين يبدو ان “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”متمسكون ببقاء القانون الحالي.
على اي حال، لا يبدو أن امكانية ولادة الحكومة المرتقبة ستخلو من بعض التعقيدات، حيث ترجح مصادر مطلعة لـ”لبنان24″، ان يكون الرئيس الحريري الاوفر حظا في الوقت الراهن، حيث أنه سينال تأييد كتلته وكتلتي الرئيس نبيه بري واللقاء الديمقراطي وليس من المستبعد ان ينال تأييد “حزب الله” ايضاً، لأن الحريري ما قبل حكومة دياب كان المرجح رقم واحد في حسابات حارة حريك، كما ان الطرفين (الحريري وحزب الله) حافظا طيلة الفترة الماضية على علاقة مستقرة نسبيا، ولم تنقطع الاتصالات بينهما. اما على خط معراب، فلا يستبعد على خلاف المرة الماضية ان ينال تأييد “القوات اللبنانية”.
اما العقدة التي تشغل بال الجميع محليا ودوليا فتكمن في موقف “التيار الوطني” ورئيس الجمهورية؛ فماذا لو عاد الحريري الى شرطه السابق بعدم مشاركة الوزير السابق جبران باسيل في حكومة الوحدة الوطنية، وماذا لو تمسك التيار العوني بتوزير نائب البترون كشرط لعودة الحريري الى الرئاسة؟
يراهن كثيرون على الدور الفرنسي الذي سيكون جاهزاً للتدخل بشدة لمعالجة هذه العقدة والتلويح باجراءات تصعيدية في ما لو تعنت “التيار البرتقالي” بمواقفه التي اعاقت تشكيل الحكومة سابقاً، ويذكر في هذا السياق،
بأن من أبرز نتائج زيارة ماكرون للبنان، الموافقة المسبقة على مشاركة “حزب الله” في حكومة الوحدة الوطنية، حيث تذهب بعض الأوساط الدولية إلى القول إن الموقف الفرنسي هو موقف منسق مع الإدارة الأميركية التي لن تمارس اعتراضا حقيقيا على مشاركة الحزب.
وعليه، فإنه الى جانب الحكومة ثمة مسارات اخرى ستشكل نقاط اشغال للوضع السياسي في الايام المقبلة وتتمثل بـ :
1- زيارة السفير الاميركي ديفيد هيل يوم الخميس وترسيم الحدود البرية والبحرية، حيث ترجح المناخات السائدة الحاجة الى ترييح الساحة اللبنانية في وجه الضغوطات التي تتعرض لها، مما يستدعي التعاطي بمرونة مع ملف الترسيم، مع الاشارة الى ان الرغبة في المرونة تصدر على نحو متبادل من الطرفين اللبناني والاميركي.
2- تغيير النظام السياسي اللبناني ويتسم بغموض كبير، ومن المستبعد أن يتم تحريكه في المدى القريب ما لم تبادر جهة اقليمية او دولية نافذة مثل فرنسا على تنظيم الإطار الحواري لهذا النقاش خاصة وان هناك اقتناعا فرنسيا بأن نظام المحاصصة الطائفية بات عبئا يهدد الاستقرار في لبنان.
3- معالجة الازمة المالية والاقتصادية الذي سيصاب حتما بتباطؤ نتيجة استقالة الحكومة والبحث في بديل لها، علماً أن الموقفين الاميركي والفرنسي،
عطفا على الرسالة التي تمخضت عن مؤتمر دعم لبنان إنما يفصل بين السياق الاجتماعي الناتج عن انفجار المرفأ وبين السياق المالي والاقتصادي الذي لا يزال متوقفا على شروط تتصل بالاصلاحات المطلوبة من لبنان،
علما ان بعض الاوساط المطلعة، تتوقع ان يكون لدخول كتلة مالية(300 مليون دولار) حصيلة مؤتمر دعم لبنان دوراً ايجابيا في تهدئة سعر الصرف.