تحت عنوان: “ماكرون للبنانيين: لا أريد انتدابكم وإنّما تغيير النظام”، كتب سامي كليب في موقع “5njoum”: لم يكن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بحاجة لممارسة قدراته الخطابية العالية وكاريزماه المعروفة منذ طفولته، كي يجد ترحيبا استثنائيا في لبنان. فالدولة المنهارة ب”فضل” ساستها، تحتاج الى أي خشبة خلاص من الغرب او الشرق، والشعب التائق الى الخلاص من هذه الطبقة السياسية، كان ينتظر مسؤولا دوليا كبيرا يشاركه الشارع والألم كي يشكو له ظلم الساسة، فوصل الأمر ببعض الناس الى حد المطالبة بعودة الانتداب الفرنسي فيما “لبنان الكبير” على اعتاب الاحتفال بمئة عام على انشائه.
ولا شك ثالثا، ان الرئيس ٫ماكرون الذي تجرأ في النزول الى الشارع اللبناني،
قبل لقاءاته الرسمية، انما وجه في رسالة واضحة تفيد بافضلية الشعب والثورة عنده في لبنان الحالي. هو خاطر في زمن الكورونا، بينما ساسة لبنان خائفون من ملاقاة شعبهم. ولم يكن ذهابه الى منطقة الجميزة وتحديدا الى شارع غورو المرتبط اسمه بلبنان الكبير، من قبيل الصدفة.
ولا شك رابعا أن ماكرون يعرف تماما ان أي حل في لبنان بلا اتفاق مع “حزب الله” سيُطاح به، لذلك فان فرنسا تمايزت عن اميركا وعن دول أوروبية عديدة، في عدم وضع الحزب على لائحة الإرهاب، واعتباره دائما جزءا من التركيبة اللبنانية التي لا بد من الحوار معها أيضا، ولذلك كان حريصا على وجود حزب الله في لقاءاته مع الكتل النيابية.
وحين سئل في مؤتمره الصحافي عن الحزب ، قال انه لا يشاركه وجهة نظره وافكاره ولكن الحزب هو جزء من الشعب اللبناني يجب الحديث معه وانه ليس هو من وضعه في السلطة منذ 15 عاما،
ونصحه بان يعمل لمصلحة اللبنانيين وسيادة لبنان لا لمصلحة دولة خارجية. مهما قال، فان الأهم هو انه اشرك الحزب في اللقاء وهذا مهم جدا في وقت التصعيد مع إسرائيل،
وفيما اميركا تزيد الضغط والعقوبات، لكن الأكيد ان هذه الخطوة لا يمكن ان تتم بلا تنسيق مسبق مع واشنطن والحلفاء الأوروبيين، ولن تكون في جميع الأحوال ضد إسرائيل،
فالرئيس الفرنسي صديق أيضا وبقوة للدولة العبرية هو الذي فعل ما لم يفعله اي رئيس فرنسي قبله، حيث ربط معادة الصهيونية بمعادة السامية. وبات كل من ينتقد الصهيونية في فرنسا عرضة للملاحقة.
الملاحظ في ما قاله الرئيس ماكرون طيلة النهار مباشرة للمسؤولين والذي كرره في مؤتمره الصحافي، انه رفع اللهجة الى حد المطالبة بتأسيس نظام جديد، وحدد تاريخا للإصلاحات الضرورية والفورية المطلوبة.
فهو تحدث عن أسابيع قليلة فقط وقال انه سيعود في الأول من أيلول. لعلّه أراد حمل رسالة تحذير أخيرة بعد تلك التي حملها وزير خارجيته وقوبلت بسوء جواب الحكومة.
هذا أبرز ما طالب به الرئيس الفرنسي في رسالة التحذير التي تشبه تلك التي نقلها وزير خارجية فرنسا الى نائب الرئيس العراقي طارق عزيز قبيل اجتياح العراق:
– إعادة بناء شرعة مع الشعب اللبناني في الأسابيع القليلة المقبلة. إنّ هذا التغيير العميق هو المنتظر. وعلى القيادات والقوى السياسية ان تبرهن عن قدرتها على الإجابة.
– البدء بإجراءات الشفافية الضرورية حول النظام المصرفي والمصرف المركزي في اطار دولي والتعاون مع صندوق النقد الدولي.
– حرية التعبير والصحافة والقدرة على الخلق يجب ان تتواصل في لبنان
– اصلاح الطاقة والكهرباء والجمارك ومكافحة الفساد وإدارة المؤسسات العامة.
– لا شك على بياض لأنظمة ما عادت تتمتع بثقة شعبها
– تحقيق دولي لمعرفة ماذا حصل في مرفأ بيروت وتحديد المسؤوليات.
هذا الإنذار السياسي من رجل يقدّم نفسه صديقا للبنان وسارع الى إنقاذه، يحمل أيضا وعودا وأملا بالمساعدة الفرنسية والدولية، فقد قال ماكرون صراحة:
“ان المال موجد ولا ينتظر سوى الإصلاحات . وان رزنامة باريس، واجتماعات سيدر والإصلاحات الاقتصادية ودعم الاسرة الدولية لا ينتظر سوى هذا (الإصلاح)”
وقال ايضا: “سوف اجاهد لكي ياتي اليكم التضامن الدولي المرتبط بصندوق النقد الدولي وكل الدول الكبرى.
ولكي لا يُفهم كلامه على انه املاءات، حرص ماكرون على التذكير أكثر من مرة بانه “ليس على الرئيس الفرنسي ان يقول للقيادات اللبنانية ما عليهم فعله وانما هي مطالب صديق يأتي حين تكون الأوقات صعبة. انه وقت تحمل المسؤوليات اليوم بالنسبة للبنان وقادته يجاب إعادة بناء الثقة والأمل”
غمز ماكرون كثيرا من باب الشباب والمجتمع المدني، فاعتبر ان “غضب الشارع يحيي املا عظيما ، واريد ان أقول لكل اللبنانيات واللبنانيين اننا سنكون الى جانبهم بعيدا عن هذه المساعدة الطارئة التي نقدمها اليوم” مفندا المساعدات الضرورية للتعليم والتربية (15 مليون يورو للمدارس الفرنكوفونية ومليونان لمدارس الشرق،
ومساعدات ومنح من الجامعات الفرنسية للطلاب الراغبين بالدراسة في الخارج..) وهو ربط ذلك ربطا ذكيا بالحرية والديمقراطية ، فقال :” لا يجب ان ننسى أهمية المعرفة والتعليم، لكي يحبوا الحرية والمطالب المتعلقة بها، وكذلك الثقافة وحرية التعبير…”..
لعلها رسالة الإنذار الغربية الأخيرة الى لبنان، ولعل على اللبنانيين التقاطها قبل فوات الأوان. ولعل ثالثا ان فرنسا التي أسس لبنان الكبير وورثتنا دستورا، تتقدم الآن وسط الألغام الكثيرة،