مهما كثرث الروايات في الساعات القليلة الماضية حول انفجار العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، لا يزال الغموض سيد الموقف في الأسباب الحقيقية للانفجار الذي خلف أعدادا كبيرة من الشهداء والجرحى،
ودمارا هائلا في بيروت وضواحيها. فكثيرة هي التساؤلات حول ما حصل. فالمعطيات الجنائية وغير الجنائية لم ترق الى مستوى ما يطلبه الشعب اللبناني المنكوب من حقائق واضحة ودقيقة، وكل ما يحصل على مستوى الاجتماعات وتلاوة المحاضر يبقى حبرا على ورق طالما أن الحقيقة لم تتكشف، حتى لو اتخذ مجلس الوزراء وضع كل المسؤولين المعنيين من العام 2014 بانفجار المرفأ في الاقامة الجبرية.
نعم، السلطة الحاكمة تبيد شعبها عن قصد أو غير قصد. يرفض البعض المحكوم بترسيمات 8 و14 آذار التعميم، لأنه لا يريد أن يسقط الغشاوة التي تحول دون رؤية الأوضاع كما هي، ولا يريد أن يقتنع بأن من لم يشترك في الفساد، تكيف مع الواقع الراهن وبات جزءا منه، في حين أن مكونات اخرى سكتت وقررت غض النظر عن الكثير من الملفات لغاية في نفس يعقوب. والساكت عن الحق شيطان أخرس.
التحقيقات سوف تتواصل، بحسب المعنيين. لكن هل سيقتنع اللبنانيون الذين فقدوا أحباءهم من أقارب وأهل وأصدقاء وتشردوا وباتوا بلا مأوى، بقرائن وأدلة سوف تعتبرها الدولة قاطعة؟.
لقد طالب المجلس الاعلى للدفاع بتكليف لجنة للتحقيق في الانفجار على أن تعرض نتائجها خلال 5 أيام وتتخذ أقصى درجات العقوبات على المسؤولين، لكن هل سيتم كشف الحقيقة؟ هل سيتم الاعلان رسميا عن صاحب او اصحاب هذه المواد الشديدة الخطورة ومن امر بابقائها في المرفأ طيلة هذه السنوات؟
في تغريدة له، قال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون “من غير المقبول أن تكون شحنة من نترات الأمونيوم تقدّر بنحو 2750 طناً موجودة منذ 6 سنوات في مستودع دون إجراءات وقائية”. والسؤالان المشروعان كيف يمكن لسلطة وحكومة الا تكون على اطلاع على حقيقة الامور المتصلة بهذه الشحنة، خاصة وان مدير عام الجمارك بدري ضاهر كان قد أرسل عام 2017 كتابا إلى قاضي الامور المستعجلة يطلب خلاله تحديد مصيرها، ولماذا تقاعست الدولة بمؤسساتها المعنية عن اتخاذ قرارات بتلف مواد شديدة الانفجار لا سيما وانها تدرك حقيقة خطورتها.
ستؤازر الدول الاوروبية والعربية فضلا عن الولايات المتحدة لبنان للخروج من محنته، خاصة وانه يمر بأزمات اقتصادية ومالية وصحية. المساعدات القطرية والكويتية وصلت الى مطار بيروت الدولي. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيتوجه إلى لبنان غدا لمساعدة لبنان في هذه المرحلة العصيبة، فضلا عن إرساله ثلاث طائرات مجهزة بمعدّات طبية واقتراحه حشد المجتمع الدولي لتوفير المساعدات الإنسانية للبنان، لكن ما يرجوه اللبنانيون اليوم بعد نكبة المرفأ من الدول العربية والصديقة والاوروبية التي اعلنت عن نيتها مساندة لبنان، ان تكون مساعدتها للعائلات المتضررة عبر سفاراتها في بيروت وليس عبر الوزارات المعنية او الحكومة، لأن السلطة التي تبيح المحظورات لا ثقة بأنها سوف تصرف وتدفع المساعدات المالية سواسية لأهل بيروت. فأزمة الثقة الى تمدد.