أيام مضت على تدهور تصنيف لبنان الإئتماني. على رغم خطورة التصنيف تلتزم الحكومة الصمت حياله، وتمضي في تسطير “إنجازاتها” غير آبهة بـ “موديز” وتصنيفها. فالعالم كلّه، وليس فقط وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، لديه “نقص في المعلومات لناحية مسيرة الإصلاحات الحكومية”، والإنهيار الذي يحذّر منه هؤلاء، تقهقر بفعل الـ 97% من الإنجازات.
أمّا نحن الذين نصحو على صباحات خائبة، فيبدو أنّنا نعاني نقصًا جماعيًا في الرؤية، رؤية الإنجازت. فهل يستحق خفض التصنيف هذا أن نقف عنده،
لنسأل عن مفاعليه؟
أم ننتقل عندها حكمًا إلى فئة “المتآمرين”؟
هل يعكس تدهور التصنيف إفلاسًا؟ وهل نحن على خطى فنزويلا؟ وكيف سينعكس على التفاوض المتعثّر مع صندوق النقد؟
تخفيض وكالة موديز Moody’s الأميركية الدولية تصنيف لبنان الإئتماني من CA الى C يعكس خطورة غير مسبوقة للوضعين الإقتصادي والمالي، وفق مقاربة البروفسور مارون خاطر، أستاذ محاضر وباحث في الشؤون المالية والإقتصادية “إذ نقل هذا التصنيف الديون السيادية اللبنانية رسميًا من حالة الإمكانية الضئيلة للتعافي إلى حالة عدم السداد Default. كما أنّ خطورته تكمن بعدم تضمينه نظرةً مستقبلية،
بسبب رصد الوكالة لخسائر كبيرة من المتوقع ان يتكبّدها الدائنون، بما يتجاوز %65 من قيمة استثماراتهم. في وقت تلحظ خطة الإنقاذ الحكومية الفذَّة، والتي تشكل قاعدة الارتكاز في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، شطب %75 من قيمة هذه الديون”.
يستغرب خاطر في حديث لـ “لبنان 24” التجاهل الحكومي لتصنيف موديز، لاسيّما أنّ التقرير أشار صراحةً إلى ضعف أداء الحوكمة، خصوصًا في ما يتعلق بمكافحة الفساد، وإلى عدم اتّخاذ الحكومة خطوات فعلية لجهة تنفيّذ إصلاحات بنويَّة،
منتقدًا الخفَّة في التعاطي مع التصنيف “ووضعه في إطار مسلسل المؤامرات الكونيّ والهيوليّ، وفي إطار الحملات الممنهجة للضغط على لبنان، بما يعكس حالة الإنفصام والإنكار المرضيّ الذي يتسم بها الأداء الحكومي، والذي لن ينتهي إلا برحيل الحكومة”.
التصنيف لا يعني إفلاسًا
خاطر لفت إلى أنّ وكالة موديز تَعتَبر أن الغرض الأساسي من تصنيفها هو إعطاء المستثمرين نظام ترتيب بسيط، يمكِّنهم من قياس جدارة الإئتمان المستقبلية النسبيّة لأوراقهم المالية، وتصنيفاتها ليست مرتكزات للقرارات الإستثمارية.
من ناحية أخرى، لا تستند التصنيفات على اتجاه الأسواق، بالرغم من وجود رابط بين القيمة السوقية والأخطار الائتمانية. وبالتالي لا يمكن اعتبار تصنيف موديز، أو أيّ وكالة اخرى، لبلد معين في حالة عدم السداد Default بمثابة إعلان إفلاس .فالتصنيفات الائتمانية تقيّم قدرة الدول على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالديون
، عبر دراسة القوّة الإقتصاديّةوالمؤسّساتيّة والماليّة، بالإضافة الى مناعة البلدان في مواجهة المخاطر. ولفت خاطر إلى أنّ التصنيفات الإئتمانية لا تأخذ بالإعتبار إمكانية إطفاء الديون عبر استعمال الدول لممتلكاتها وأصولها. فالدول التي تمتلك اصولاً لا تعتبر مفلسة بالمعنى القانوني،
وإن كان التصنيف الائتماني يعتبرها متوقفة عن السداد أو متعثرة.
عن الأسباب أو المعايير التي تستند إليها الوكالة في تقييمها، لفت خاطر إلى أنّ تخلّف لبنان عن سداد ديونه المستحقة في آذار الماضي، شكّل سبباً أساسياً في خفض التصنيف، إلّا أنّ غياب الإصلاح المتلازم والتخبط الحكومي، وتلكؤ الإستشاري لازارد في مفاوضة الدائنين لأسباب مجهولة، كلها عوامل أدّت إلى تفاقم الازمة وصولاً إلى الحضيض.
ماذا عن المعطى السياسي؟ هل يلقي بتداعياته على التصنيف؟
بنظر خاطر، للسياسة دورها في دراسة التصنيف اللبناني وقبله الفنزولي، إذ لا يمكن إغفال الأبعاد السياسية الإقليمية والدولية للأزمة، وتخبط لبنان في صراعات المحاور، معتبرًا “أنّ ما يتكبّده لبنان في الإقتصاد ليس إلّا أحد أوجه الأثمان السياسية المترتبة عليه، كنتيجة لاختطاف قراره، ومحاولات تغيير تموضعه على الخريطة السياسية والإقتصادية العالمية. من هنا تبرز أهمية الحياد الإيجابي الذي تنادي به الكنيسة المارونية على لسان سيّدها، كخطوة أساسية أولى في رحلة إعادة لبنان إلى موقعه الطبيعي والتاريخي، غير المُنتمي للشرق وغير المُرتمي في أحضان الغرب”.
التفاوض المتعثر مع صندوق النقد الدولي لا يمكن عزله عن نتائج التصنيف، فكلاهما انعكاس للآخر “فيما تشير المعلومات إلى أنّ المفاوضات تأثرت سلباً بتخفيض التصنيف، بالرغم من نفي المصادر الحكومية، يستند هذا التخفيض إلى التبعات الكارثية للتخبط الحكومي والفشل في التوصل لمقاربة موحَّدة لأرقام الخسائر. والخروج من هذه الدائرة المفرغة، يثبت الدور السياسي في حلّ الأزمة اللبنانية، وهي بالأساس أزمة سياسية ذات بُعد اقتصادي مقصود”.
عن مدى التشابه مع فنزويلا، والتنافس على بلوغ قعر الهاوية وآخر درجات سلّم التصنيفات، يلفت خاطر إلى أنّ موديز وضعت فنزويلا في حالة توقف عن التصنيف Withdrawn منذ 14 آب 2019، فهي لم تعد مصنفة C بل WR. وكانت في آذار عام 2018 قدّ خفَّضت تصنيفها الائتماني لفنزويلا إلى الدرجة C،
مشيرًا إلى “أنّ تقارير الوكالة، تُبيِّن أن الدوافع الرئيسية متشابهة بالنسبة للبلدين إن لم نقل مماثلة. فقد توقعت الوكالة أن يؤدي التآكل المستمر في القدرة على الدفع في فنزويلا إلى خسائر فادحة لحاملي السندات، الى جانب تضاعف استحقاقات رأس المال القادمة مع التخلف المستمر عن دفع الفوائد المتراكمة على السندات المختلفة.
من ناحية ثانية، وفي شقٍّ لا يخلو من السياسة، يشير التقرير الى أنّ القيود المفروضة على قدرة فنزويلا على إعادة هيكلة ديونها، والتي تفرضها العقوبات الأميركية، تمنع المستثمرين الأميركيين من قبول أدوات دين جديدة في ظل تبادل ديون محتمل”.
بالمحصلة لا نحتاج إلى تصنيفات الوكالات الأجنبية لندرك فداحة الدِرك الذي بلغناه، فنتائجه تنغّص يومياتنا، من معدلات الفقر والبطالة والجوع إلى الكهرباء المعجزة وغيرها الكثير، بالمقابل سياسة النعامة الحكومية في الهروب إلى الأمام، وبيعنا أوهامًا على قاعدة “العالم يراقب بدهشة ما أنجزناه” لن يقودنا سوى إلى المزيد من النكبات… أما حان وقت الرحيل ؟