كتبت صحيفة “الراي”: يبقى الهمّ الأكبر لكل لبناني، مقيماً كان أو مغترباً، الحصول على أمواله أو ما تبقى منها من المصارف بعد الهيركات المقنّع الذي فرضتْه هذه الأخيرة على أموال المودعين بغير وجه قانوني. فالمواطن الذي أفنى عمره ليجمع مبلغاً يحفظ له ولعائلته حياة كريمة ويمكّنه من تعليم أولاده وتأمين طبابتهم ويقيه شرّ الذل في آخِرته، وَجَدَ نفسه فجأة ضائعاً محتاراً ليس قادراً على سحب أمواله نقداً من المصرف بالعملة الصعبة (الدولار) التي أودعها فيه، مضطراً للتقيّد بمبلغ أسبوعي يتم تحويله إلى الليرة اللبنانية (على سعر نحو 3850 ليرة فيما يناهز سعر الدولار في السوق السوداء 8 آلاف ليرة) يمنّ به المصرف عليه ولا يعطيه أكثر منه مهما حاول أو مهما كان حجم رصيده في المصرف، وذلك بفعل أزمة السيولة الحادة وشحّ الدولار التي انفجرت قبل أشهر واستتبعت فرْض المصارف قيوداً مشدّدة على الحصول على الأموال وخصوصاً بالدولار ما أثار غضب المودعين الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن سحْب «القرش الأبيض في اليوم الأسود» بعد تحديد سقوفٍ تضاءلت تدريجاً إلى أن تَكرَّس تَحوُّل ودائعهم بالعملة الخضراء إلى lollar، وهو المصطلح الذي بات الاسم الحَركي للدولارات التي لم تعُد متوافرة إلا نظرياً ودفترياً.
وهنا تساوى اللبناني المتوسط الحال مع اللبناني الميسور في الوقوف صباحاً عند باب المصرف لاستجداء المبلغ الأسبوعي الذي يحقّ له. ومَن أراد القيام بتحويلات بالدولار الى الخارج لأبنائه الذي يدرسون في بلدٍ غربي، أو للقيام باستيراد المواد التي طالما تاجر بها، عليه أن يصرف يومه بين الدوائر الرسمية ليستحصل على الأوراق القانونية المختومة التي تثبت أن له ولداً في الخارج أو مورداً يحتاج الى عملة صعبة لتسهيل تجارته.
ومَن لا يستطيع لذلك سبيلاً يقف ساعات أمام باب الصرافين الشرعيين أو في زواريب صرّافي السوق السوداء للحصول على الدولار بأسعار خيالية تفوق قدرته الشرائية بأضعاف.
هذا الشحّ المالي دَفَعَ بالمواطن اللبناني الى البحث عن سبل تساعده في تحصيل بعض المال لتأمين معيشته فوجد الحلّ في بيع ما يملكه من مجوهرات ذهبية في ظل “إعلانات” على الهواتف تصله وتُغْريه بدولاراتٍ طازجة وبأسعار “تستدرجه” مستفيدة من ارتفاع قيمة المعدن الأصفر عالمياً. وهكذا بات شائعاً أن يستعير مواطن أساور زوجته وعقودها ويمدّ يده حتى الى شبكة خطوبتهما ليحملها الى تاجر ذهب صغير يشتريها منه بالدولار نقداً، ليعود (التاجر) فيبيعها الى تاجر أكبر ويربح منه بضعة دولارات لكل غرام من الذهب حتى يقوم هذا الأخير بتسييلها وصبّها سبائك يحملها الى تجار الذهب في أوروبا ويبيعها نقداً بأسعار مرتفعة بالعملة الصعبة.
المصدر: الراي