لا أحسد المسؤولين اللبنانيين، الذين إلتقاهم وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، بدءا برئيس الجمهورية ومرورًا برئيس الحكومة وإنتهاء بوزير الخارجية.
أقول لا أحسدهم لأن الزائر الضيف، وهو أول مسؤول دولي يزور لبنان منذ أن شُكلت هذه الحكومة، أسمعهم ما لم يكونوا يرغبون سماعه، هو الكلام نفسه الذي قاله قبل مجيئه إلى لبنان، وقد يكون قد زاد عليه كلامًا أقسى وأعنف، لأنه قد يكون قد إستوحى من وجوههم ما فاته عن بعد.
ادركَ، وهو العليم والخبير بمشاكل لبنان، أن العلّة هي في المسؤولين أنفسهم. ولم يفاجأ عندما سأل عن معنى إسم عائلته بالعربية وضحك من صميم القلب، وقال: إذًا ثمة صلة قربى بيني وبين المسؤولين، بعدما تبين له أن الكل “مو دريان بشي”.
قال ما يجب أن يُقال مع علمه المسبق أن كلامه لم ولن يلقى الصدى الإيجابي لدى سامعيه، الذين قرروا قبل لقائه أن يسدوا آذانهم بالقطن، لأنهم كانوا يعرفون تقريبًا ما سيقول.
قال لهم مكررًا، عسى يفيد التكرار، ساعدوا أنفسكم قبل أن نساعدكم أو أن يساعدكم الآخرون، الذين يفتشون على مصالحهم، وهم وإن أحبوا لبنان فلن يستطيعوا أن يحبوه أكثر من أبنائه.
وقال لهم أيضًا أن لا مساعدات من دون إصلاحات، وهو كلام سبق أن سمعه المسؤولون من أكثر من جهة دولية وعربية، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا لودريان؟
وعلى رغم الكلام “الواقف” الذي قاله الوزير الفرنسي، وهو الآتي أساسًا من اجل المدارس الفرانكوفونية، فإنه فتح للمسؤولين وللشعب اللبناني كوة أمل عندما تحدّث عن مفاعيل مؤتمر “سيدر” التي لم تنتهِ بعد، وأنه لا يزال أمام اللبنانيين فرصة إلتقاط اللحظة قبل أن تصبح من الماضي، وهي مرتبطة بما يمكن أن يتحقق من إصلاحات، وهي شرط من شروط صندوق النقد الدولي أيضًا.
إذًا أمام هؤلاء المسؤولين فرصة تاريخية لو أقدموا على إصلاحات حقيقية وليس إصلاحات وهمية أو صورية أو إصلاحات “الضحك على الذقون”، لحصلوا في الوقت نفسه على مساعدات “سيدر” وعلى مشاريع صندوق النقد الدولي، وربما على مساعدات من أشقائه العرب، الذين لم يبدوا أي تجاوب مع مطالب لبنان، مكررين ما يقوله الفرنسيون وغيرهم من الدول التي تُعتبر في المبدأ صديقة لهذا البلد الواقف على شفير الهاوية.
ما يطمئن في كلام المسؤول الفرنسي ما قاله أمام البطريرك الراعي، وهو أن لدى لبنان إمكانات هائلة لو تمت الإستفادة منها لأمكنه تجاوز محنته بسهولة، على رغم كثرة مشاكله والتعقيدات التي أدُخل إليها أو بالأحرى أدخله إليها بعض المسؤولين، الذين لا يزالون متربعين على كراسيهم وكأن شيئًا لم يحصل.
في محصلة جولة لودريان يمكن إستنتاج ما يلي:
أولًا، أن الطبقة السياسية الحاكمة تعيش في غير كوكب، وهي لا تزال تتعاطى مع الأزمات الكبيرة بمنطق المعالجات الصغيرة.
ثانيًا، تأكد المسؤولون، الذين لا يزالون يأملون في أن يأتيهم الترياق من العراق ومن الشرق عمومًا، أن مساعدات “سيدر” ومشاريع صندوق النقد الدولي مرهونة بمدى جدّية الحكومة، ومعها الطبقة الحاكمة، على إجراء الإصلاحات المطلوبة والضرورية.
ثالثًا، على رغم سوداوية المشهد اللبناني فإن المساعي الفرنسية لن تتوقف عند حدود معينة، وأن باريس ستعاود الكرّة مرّة وإثنتين، ولن تيأس ولن تتراجع أمام الصعوبات الكبيرة، وعلى رغم أن المسؤولين الخائبين كانوا يتمنون لو أن الموفد الفرنسي لم ياتِ!