يفلح رئيسها حسان دياب في القيام بجولة خارجية أو حتّى زيارة واحدة. بعض الجهات الدولية نظرت إلى حكومته على أنّها حكومة “حزب الله”، جهات أخرى وفي مقدّمها فرنسا إنتظرت أداءها وإصلاحاتها،
فأتت النتيجة غاية في الإحباط. ورغم أهميّة مشهدية وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في السراي الكبير، كونه أوّل مسؤول أجنبي على هذا المستوى الرفيع يزور لبنان منذ تشكيل حكومة حسان دياب،
إلّا أنّ الحكومة عاجزة عن الإعتداد بتلك الزيارة وتجييرها لصالحها، حتّى ولو أنّ حماسة دياب لإستقبال الزائر الكبير جعلته يخرق البروتوكول ليستقبل لو دريان خارج مكتبه.
ما قاله رئيس الدبلوماسية الفرنسية أمام عدسات الكاميرا كاف لاستنتاج حجم العتب والإستياء الذي يحمله إلى المسؤولين اللبنانيين، فكيف الحال بما قاله على مسمع من إلتقاهم بعيدًا عن الإعلام “أتناول هنا ملف إصلاح الكهرباء، وأقول بوضوح: ما تمّ القيام به حتّى الآن ليس مشجّعًا، وأثير أيضًا موضوع مكافحة الفساد والتهريب واستقلالية القضاء وتعزيز الشفافية، هي أمور أساسية لمستقبل لبنان. فرنسا ستقف إلى جانب لبنان، لكن لكي ينجح المسعى، على السلطات اللبنانية أن تؤدّي حصتها من العمل”.
لم يحضر الضيف الفرنسي لدعم حكومة لبنان، فالأخيرة لم تسعفه في ذلك، وهي التي انقلبت على إنجازها اليتيم في الكهرباء، بإعادة تبنّي معمل سلعاتا باستملاكاته المليونية، وقامت بتعيينات مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان وفق قاعدة المحاصصة، ببدعة غرائبية أبقت على المدير العام الشاغل لوظيفته لأكثر من عشرين عامًا، وأهملت تعيين الهيئة الناظمة، نزولًا عند رغبة من تدّعي الإستقلالية عنهم. وها هو الزائر الفرنسي يأتي على ذكر الكهرباء بالإسم. أمّا بقية الإصلاحات فلم تتقدّم خطوة واحدة باتجاهها، فضلًا عن عرقلة التعيينات والتشكيلات القضائية، وإلغاء آلية تعيينات الفئة الأولى على قاعدة الكفاءة، بالضربة القاضية من المجلس الدستوري.
إلى الإصلاح أضافت فرنسا شرط الحياد، فشكّلت بكركي المحطّة الأبرز في جولة وزير خارجيتها، لدعم نداء سيّدها في دعوته للحياد “لا سيادة من دون حياد”، وهو الأمر الذي كشفه لـ”لبنان 24” قبل الزيارة بأيام الأستاذ الجامعي في كلية باريس للأعمال والدراسات العليا محي الدين الشحيمي.
بالنسبة لفرنسا لبنان لن يكون منحازًا لشرق أو غرب، بل البلد السيادي الذي ييني علاقاته وفق قواعد مرتكزها السيادة والإستقرار والإستدامة.
أمام هذه الأولوية الفرنسية تأتي المساعدات في مراتب أخرى، من هنا يقرأ الشحيمي في أبعاد الزيارة ما هو أعمق بكثير من مسألة المساعدات المادية “فعندما يكون الكيان اللبناني في خطر تتحرك فرنسا لحمايته،
وهي لن تقبل بخسارة مختبرها الذي تفاخر به، لبنان التنوّع بمجتمعه المتعدد وعيشه المشترك، خصوصًا أنّ بلد الأرز يشكّل آخر مساحة للتنوع الواقعي، بعد فقدانه في العراق وسوريا”. انطلاقًا من هذه المقاربة تعنون الزيارة الرسالة التالية “احموا صيغتكم اللبنانية، تمسكوا بجوهر قيام لبنان الكبير”.
ولعلّ قول الرئيس ايمانويل ماكرون أنّ فرنسا لن تسمح بسيطرة الدول وخصوصا تركيا على شرق المتوسط، بالتزامن مع تبنّي وزير الخارجية الفرنسية من بيروت لمبدأ الحياد السيادي، يترجم جيدًا السياسة الخارجية لفرنسا في تلك البقعة الشرق أوسطية، ولبنان محورها.