انتشر مؤخراً فيديو وثق شهادات العديد من المواطنين اللبنانيين الراغبين بالهجرة، بسبب اشتداد الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد. ومع أن دول أوروبا تخلو من برامج الهجرة الشاملة على غرار كندا وأستراليا، وإنما تعتمد الهجرة إليها على عقود العمل والتوظيف التي تُرسل الى الأشخاص من أصحاب العمل فيها، إلا أن بعض اللبنانيين كشفوا عن رغبتهم بالهجرة الى أوروبا.
لعلهم كانوا يقصدون اللجوء في اوروبا وليس الهجرة، إلا أنهم لم يستطيعوا التمييز بين المفهومين. وهنا لا بدّ من توضيح الفرق بعد هذا الكم من الخلط بين مصطلحي “الهجرة” و”اللجوء”. لكن قبل كل شيء، على المواطن اللبناني أن يدرك معلومة أساسية، هي أنه غالباً لا يحق له طلب اللجوء في أوروبا لعدم استيفائه أهم شروط اللجوء وهي “التهديد المباشر” لحياته جراء “اندلاع الحروب”. لذا شاء أم أبى، فإنّ أسباب معاناته كلها في لبنان، لا تمنحه حق اللجوء في أوروبا للأسف.
في المبدأ، أن تلجأ الى بلد آخر يعني أنك غادرت وطنك دون إرادة شخصية منك، حيث تكون قد أُجبرت على الخروج بسبب تعرّض حياتك للخطر جراء “حرب أهلية” أو “تهديد مباشر” أرغمك على مغادرة وطنك. فاللاجئ هو من يأتي من أجل الحماية، فيما المهاجر يأتي من أجل الحياة والعمل منذ البداية، ويغادر وطنه بإرادة شخصية منه ليقيم في وطن آخر.
وآلية الهجرة تختلف من دولة لأخرى، فمثلاً آلية الهجرة إلى أوروبا تختلف عن آلية الهجرة إلى كندا أو أستراليا، لأنّ الهجرة الى أوروبا تعتمد حصراً على عقود التوظيف أو عقود الزواج من أحد مواطنيها. أما ألية اللجوء في دول أوروبا فلا تتيح التقدم بطلب عن طريق سفاراتها. ومن يريد التقدم بطلب لجوء عليه الوصول للدولة الاوروبية التي يرغب في تقديم طلب لجوء فيها، ويقدم من داخل أرض البلد نفسه. أما اللجوء إلى دول غير أوروبية، مثل كندا أو استراليا، فيمكن التقدم بالطلب في السفارة نفسها.
ونرى الكثير من اللبنانيين ممن يتقدمون بطلب لجوء في أوروبا فور وصولهم إليها، ويتم رفض طلباتهم من دوائر الهجرة مراراً وتكراراً، لكنهم يآثرون البقاء دون إقامة على العودة الى لبنان. حتى أنّ العديد منهم وثّق معاناته في تقارير سابقة وتحدثوا عن بقائهم عالقين لسنوات في أوروبا من دون أن يستطيعوا الحصول على تصريح بالاقامة أو العمل، فقط لأنهم لم يدركوا حينها الفرق بين الهجرة الى بلد يستقبلهم كمهاجرين واللجوء في بلد لا يستوفون شروط اللجوء فيه.
ولا يزال هناك الكثير حتى هذه اللحظة، ممن يقعون في فخّ التمييز بين “الهجرة” و”اللجوء”، ويكون الثمن هدراً من سنوات حياتهم. منهم شاب لبناني، رفض ذكر اسمه، أتى الى السويد من سنتين بواسطة تأشيرة سياحية، وبقي في البلاد من دون إقامة قانونية منذ ذلك الحين. هذا الشاب لم يقدم إلى الآن طلب لجوء، لعلمه أنّ طلبه سيُرفض، كما أنّه لم يستطع إيجاد كفيل مستعدّ لتغطية مصاريف توظيف أجنبي مقبل من الخارج. وهو الآن يبحث على عقد زواج عوضاً عن عقد العمل ليحصل على الاوراق القانونية للاقامة، ويقول: “أريد البقاء في السويد والحصول على جنسيتها، وسأحاول كل جهدي لأنّ من سبقني ليس أشطر مني”.
ولا تقتصر التجربة على الشباب والرجال اللبنانيين، بل أنّ فتيات من لبنان، خُضن تجربة السفر الى السويد والدول الأوروبية الأخرى وعبّرن عن رغبتهن بالحصول على الجنسية الأوروبية عن طريق الزواج من مواطنين أوروبيين.
إيلينا، كما أصبح اسمها في السويد، أتت منذ نحو أربع سنوات إلى السويد، وعلمت حال قدومها بأنها لن تستطيع الحصول على إقامة إلا عن طريق الزواج. وبالفعل وجدت من يقبل بمساعدتها مقابل مبلغ 10000 دولار سنوياً لمدة ثلاث سنوات، شرط أن تقيم مع “العريس” لتنظف وتطبخ ولقاء حصوله على حقوقه الزوجية كاملة أيضاً. إيلينا اليوم تضع أوراقها الثبوتية القانونية إلى جوار اوراق طلاقها في درج شقتها.
مع الخيبة والأمل، يوجد من فقد الأمل كلياً في إيجاد من يمده بعقد عمل أو زواج نظامي في السويد. مروان، الشاب اللبناني “الجغل” رفع يديه استسلاماً بعد ثلاث سنوات من المحاولات لإيجاد “عروس” تقبل بتزويده بأوراق الاقامة. يقول مروان ضاحكاً “لا أستطيع أن أحصي المبالغ التي صرفتها على الفتيات كل هذه الفترة لاستمالتهن. أعترف أنني كنت غبياً في صرفي كل هذه الاموال على لا شيء”. ها هو مروان يحاول إيجاد طريقة للعبور إلى بلد آخر في أوروبا الشرقية. “هناك يسهل عليّ أقناعهنّ… والتكلفة أرخص!”، يمازح مروان ويضحك ويقول “رح لاقي مين توقع فيني وتوقّع على أوراقي”.
من يأتي الى السويد لا يستسلم لخيار العودة الى لبنان، ولو بقي هارباً لسنوات طويلة من دون أوراق قانونية، ليس حباً بالبلاد بل كرهاً للاوضاع المعيشية في لبنان. “لا اقتصاد ولا أمن، وكمان لا هجرة ولا لجوء!… “شي كتير. شعلولنا حرب وخلصونا! خلونا نصير لاجئين ببلاد متل الخلق”… هذا لسان حال بعض اللبنانيين الهاربين في أوروبا.
(ديما الحلوة – السويد / خاص لبنان24)