لو أراد المسؤولون إجراء إستفتاء على عيّنة من اللبنانيين من مختلف المناطق والطوائف والأحزاب والفئات العمرية حول مآل التدقيق المالي والجنائي لأتت النتائج حتمًا مخيّبة للآمال، بإعتبار أن العيّنة المستفتاة تعبّر خير تعبير عن شريحة واسعة من اللبنانيين، الذين فقدوا ثقتهم بأهل السلطة ولم يعودوا يصدّقونهم في الكبيرة والصغيرة، وهم الذين ينّفخون على اللبن لأن حليب السلطة قد كواهم، خصوصًا أنها ليست المرّة الأولى التي يُخذلون فيها، وهم الذين يُضربون من بيت أبيهم ألف مرّة في اليوم الواحد.
وقد يكون لسان حال هذه العيّنة المختارة عشوائيًا هو لسان حال جميع اللبنانيين الذين يعتقدون أن “حاميها حراميها”، بمعنى أنه من غير الممكن أن يسمح من أوصل البلاد إلى هذه الحال المزرية، ماليًا وإقتصاديًا، بأن يصل التدقيق المالي والجنائي إلى أي نتيجة شأنه شأن كل الأمور الأخرى التي لم تصل فيها التحقيقات إلى أي نتيجة ملموسة، ولم يرَ اللبنانيون مرتكبًا واحدًا في قفص الإتهام ووراء قضبان السجون.
فهل يُعقل أن يدين أهل السلطة أنفسهم بأنفسهم، لأن من أوصل البلد إلى ما وصلت إليه ليسوا من سكّان المريخ أو من كوكب آخر، بل أن “دود الخلّ منه وفيه”، وقد تكون قلّة قليلة من أهل السلطة من بين الذين لم تتلوث أيديهم بالمال العام؟
أحسب كما يحسب الشعب اللبناني أن تتوصل الشركتان اللتين أختيرتا للتدقيق المالي والجنائي، بغض النظر عمّا إذا كان لهما إرتباطات بالعدو الإسرائيلي أم لا، إلى نتائج ملموسة، وأن تكشف الحقائق على الملأ من دون تدّخل من هنا ومن هناك، مع العلم المسبق أن الأمر لأشبه بمعجزة، مع أن هذا الزمن ليس زمن المعجزات.
فهل سينام هذا التدقيق جنبًا إلى جنب الإبراء المستحيل، الذي طواه الزمن ودفنته التسويات الرئاسية والطموحات المستقبلية لبعض الذين لا يزالون يحلمون برئاسة أتت صودف أن كل المصائب أتت في زمانها، بالتزامن مع مئوية إعلان لبنان الكبير عام 1920، ليُعلن إفلاس لبنان الكبير. وقد يكون من عجائب الصدف أن يكون الحدثان الأول جيد، والثاني سيىء، على يدي جنرالين واحد فرنسي والثاني لبناني.
فلو كان القيّمون على شركتي التدقيق يعلمون أن مصير ما يمكن أن يتوصلوا إليه من نتائج سيكون مآلها “اللفلفة” وأدراج النسيان، لما أقدموا على هذه المغامرة، والأنكى أن المسؤولين الذين يعرفون تمام المعرفة الزواريب اللبنانية الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود أن المبالغ التي ستصرف لهذه الشركة العالمية، وهي مبالغ طائلة، ستذهب سدىً وهدرًا، خصوصًا أن الظروف المالية الحالية للخزينة اللبنانية لا تسمح بالإقدام على هكذا مغامرة محسوبة النتائج سلفًا.
فقليل من الحياء من سلطة لا تعرف سوى الدخول في متاهات لا طائل منها، اقله بالنسبة إلى الخطوات التي تدخلها في قاموس “الإنجازات”، وهي إنما تتحرك بدافع غرائزي حفاظًا على ما تبقى من ماء الوجه حيال ما تتعرض له الحكومة من إتهامات، وأمام صندوق النقد الدولي، الذي بدأ يفقد الأمل رويدًا رويدًا، تمهيدًا لرفع يديه عاليًا، قائلًا اللهم أني سعيت.