لم تصب أي من الغارات التي حصلت قبل يومين على محيط دمشق موقعاً او نقطة عسكرية للحزب، لكن الخطأ وقع فأدى إلى ما أدى إليه، فنعى “حزب الله” احد عناصره بعد نحو ٢٤ ساعة من الغارة على أنه سقط نتيجتها.
تل ابيب تعرف ما تريد. ارادت استهداف قوات ايرانية في سوريا بشكل مباشر وواضح، بالتزامن مع عمليات الإستهداف التي تتعرض لها طهران في الداخل الإيراني عبر حرب سايبرية واضحة الأهداف. وهذا ما حصل، وجّه سلاح الجو الاسرائيلي غارات عدة تستهدف مواقع محددة للحرس الثوري الإيراني في الداخل السوري.
من الواضح أن الهدف كان ايقاع خسائر بشرية، وإن محدودة، في صفوف الايرانيين، اذ ان عوامل عدة تدفع تل ابيب الى التصعيد العام في المنطقة، اولا فهي تحاول كسر قواعد الإشتباك نهائيا مع ايران في سوريا مستغلة الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الاميركي دونالد ترامب، اذ تحظى بهامش اكبر من التحرك وبغطاء عسكري وسياسي واسع.
كما ان تل ابيب تعمل على التوتير في المنطقة لخلق دوافع كبرى فوق الاستراتيجية تبقي القوات الاميركية في سوريا والعراق، خصوصاً ان الادارة الاميركية اتخذت قرارها بالانسحاب من البلدين خلال اشهر.
لكن الدافع الأكبر لتل ابيب للذهاب الى اشتباك مسلح في أي من الجبهات الساخنة مع اعدائها هو الدافع الشخصي لنتنياهو. فالرجل مأزوم داخليا وقضايا الفساد لم تعد تلاحقه قضائيا فحسب بل شعبياً، اذ يتظاهر المستوطنون الاسرائيليون في كل المدن المحتلة ضد نتنياهو الذي سقط قبل اسابيع مشروعه لضم الضفة الغربية، وزادت خلافاته بشكل كبير مع بني غانتس، كل هذا يترافق مع مخاوف كبرى تسيطر عليه جراء اعتقاده بأن ترامب لن يفوز بولاية ثانية.
اذاً يبدو أن اسرائيل اختارت الساحة السورية للتصعيد، وتحديداً بإستهداف الايرانيين على اعتبار ان الإشتباك معهم فيه الكثير من الاعتبارات التي تمنع تدحرج المعركة الى حرب شاملة، ويبقى التصعيد ضمن اطار الاشتباك المحدود لكنه الكفيل بتحصين نتنياهو داخليا وبتوتير المنطقة عموماً. وهكذا تكون اسرائيل قد تجنبت التصعيد مع لبنان لأنها لا يمكنها ضبط ردة الفعل في حال كسرت اياً من قواعد الاشتباك فيه، وتجنبت التصعيد مع غزة لأنها وحتى اليوم ترى أن أي معركة تشغلها عن جبهتها الشمالية لا داعي لها.
اذاً استهدفت اسرائيل مواقع ايرانية في سوريا، لكن لسبب ما، وقد سقط في احدى هذه الغارات احد عناصر “حزب الله” وبات الردّ محسوماً وفق القاعدة التي وضعها الامين العام للحزب مراراً وتكراراً والتي يحرص الحزب على الحفاظ عليها بحزم.
لكن هل تذهب اسرائيل الساعية لإشتباك محدود مع ايران في سوريا الى الرد على ردّ “حزب الله”؟ وهل تستطيع تحمل تبعات تدحرج المعركة مع قوّة مقاومة اعتباراتها اقل بكثير من اعتبارات الإيراني؟
يقول البعض ان رد “حزب الله” سيكون متناسباً مع ما حصل مع اضافة بعض القوة، اذ ان المحطات المقبلة في الساحة اللبنانية قد تفرض اعادة تحصين الردع واعطائه بريقاً اضافيا لصالح الحزب. بمعنى آخر اذا اراد الحزب منع اسرائيل من القيام بأي خطوة في لبنان في المرحلة المقبلة عليه أن يكون حازماً في رده، واذا أراد الحزب خلال اسابيع او اشهر، لأي سبب من الأسباب، إستقدام سفن ايرانية الى لبنان او حتى نقل البضائع من سوريا الى لبنان من دون تعرضها للاستهداف، فهذا يعني أن عليه ان يوجه رسائل قوّة من ضمن رده اليوم.
أمام هذه المعطيات، من الواضح أن اسرائيل وجهت ضربة تستدعي رداً ايرانياً في توقيتها، لكن سقوط عنصر من عناصر “حزب الله” نقل المواجهة من طهران الى الضاحية الجنوبية، فهل تصر تل ابيب على افتعال اشتباك؟ ام انها ستبلع الردّ المقبل وتقبل فشل حساباتها هذه المرة؟