كتب وليد شقير في “نداء الوطن”: لم تعد المشكلة في نأي لبنان بنفسه عن حروب وأزمات وتجاذبات وصراعات المنطقة فحسب، بل في نأي المجتمع الدولي والعربي بنفسه عن لبنان، وبحاجة القادة اللبنانيين إلى أن يعيدوا اهتمام الخارج به.
هذه المعادلة المقلوبة هي التي ينظر من خلالها ديبلوماسيون معنيون الى ما يدور في البلد الصغير.
لم يعد لبنان في سلم الأولويات في إطار الصراع الدولي الإقليمي الدائر في الشرق الأوسط الأوسع، عند الدول الكبرى إقليمية كانت أم عالمية.
الأولى، أنه كان ساحة الصراع الرئيسة التي تتمركز فيها صراعات الإقليم وحرائقه في منطقة محيطة به راكدة وغير مشتعلة، حيث كان الحريق اللبناني تعويضاً عن حرائق يمكن أن تحصل في الدول المحيطة به.
ومع الحرائق الواسعة التي تملأ أرض وفضاء الإقليم بات الحريق اللبناني الأصغر حجماً والأقل أذية والأدنى خطراً قياساً إلى ما يحصل في سوريا واليمن وعلى حدوده مع السعودية، والعراق، وليبيا، بعد التطورات التي أفضى إليها الربيع العربي.
وإذا كانت هناك “مؤامرة” أو لعبة أمم يمكن للدول الكبرى أن تلعبها فهي لم تعد تحتاج إلى صب الزيت على نار لبنانية اعتادت الفسيفساء الطائفية أن تسهلها، بل أمامها منطقة تعج بالحرائق.
يمكنها أن تدخل الحريق السوري الأكبر مساحة والأكثر فعالية على الصعيد الجيوسياسي، من لبنان، ناهيك عن اليمن والعراق وليبيا، وما أدراك ما ليبيا وشمال أفريقيا الآن.
أما الخاصية الثانية التي فقدها البلد الرسالة كما وصفه البابا يوحنا بولس الثاني، فهي أنه لم يعد الرئة المالية التي تتنفس منها بعض دول المنطقة كما لم يعد جزءاً من استثماراتها. فتمركز الرساميل في شكل تدريجي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ونكبة فلسطين حين هربت أموال فلسطينية إليه، ثم بعد انتقال رساميل مصرية إثر ثورة 23 يوليو في مصر،
ثم الانقلابات السورية ونهضة دول الخليج العمرانية التي ساهم فيها اللبنانيون بعد فورة النفط… وغيرها من العوامل التي يمكن تعدادها، باتت الآن من الماضي بعد أن تحولت دبي في شكل تدريجي في العقود الماضية إلى الرئة المالية للمنطقة برمتها تضاف إليها آسيا الوسطى ودول كبرى مثل الهند وباكستان ومصر التي لديها أكبر عمالة أجنبية في دولة الإمارات العربية المتحدة. كما أن رئة دبي المالية هي التي صارت ميدان التفاعل المالي بين إيران التي تشكل أزمتها موضوعاً ساخناً على الصعيد الدولي، وبين سائر الدول إقليمياً ودولياً، بالمقارنة مع محدودية القدرات المالية اللبنانية التي باتت في كل الأحوال دفترية.
هذا التقييم الاستراتيجي لغياب الوظيفة المالية في لبنان ولأولوية إطفاء حريقه،
أنتجت المعادلة المقلوبة التي توجب نأي الدول بنفسها عن لبنان. وهي تفترض أن حتى صواريخ “حزب الله” الكثيرة بات حسابها عند الأميركيين لا يستأهل تمويل حرب لتعطيلها لأن الخوف ليس من وجودها بل من القرار الإيراني في شأنها والحزب مجرد حارس عليها،
فضلاً عن أن نفوذ الحزب في البلد الناجم عن فائض القوة لا يتم بحثه لبنانياً، بل مع إيران نفسها.
لم يعد هناك سوى فرنسا لم تنأَ بنفسها عن لبنان لأنه مدخل لدورها الإقليمي، مع أنها سئمت منه. لذلك وجب الإصغاء جيداً إلى جان إيف لودريان اليوم.