عشية وصول وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان الى بيروت ليستكشف أين وصل لبنان وريث الانتداب الفرنسي الذي ترك تاريخيا بذور القسمة السياسية الطائفية المستمرة بفضل مافيا سياسية-مالية مستفيدة ، لا شيء يوحي بالتفاؤل باحتمال انفراجات اقتصادية أو سياسية حقيقية، مهمّا جاهدت الحكومة لتزيين بعض الخطوات على أنها واعدة. وقد دفع اليأسُ بعض الوزراء الى التفكير جديا بالاستقالة.
ماذا في المعلومات ؟
– في الاتصالات الفرنسية الأولى مع الحكومة، قدّمت باريس ٣ شروط لتسهيل المساعدات للبنان، أولها وضع برنامج حكومي واضح، وثانيها المباشرة بالإصلاح، وثالثها الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. لن تتغير هذه الشروط، حتى ولو أن بعض اللبنانيين ينتظرون من ” الأم الحنون” أن تمارس حنانها في هذه اللحظات الصعبة، ليس فقط لأجل لبنان وانما لاستعادة دور فرنسي في المنطقة تلاشى تماما منذ تراجع الرئيس جاك شيراك عن تحدي الاميركيين في ولايته الثانية بعد أن ربح شعبية عربية كبيرة بفضل رفضه اجتياح العراق، واشتباكه مع الجنود الإسرائيليين حين زار القدس. ( على كل حال وزير الخارجية السابق والمثقف جدا الآن جوبيه كتب في مؤلفه العظيم Les monde de François Mitterrand ( ان فرنسا كانت أصلا بلا سياسية حقيقية في الشرق الأوسط منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
– تبيّن من خلال النقاشات الحكومية اللبنانية مع صندوق النقد الدولي، أن ثمة مماطلة من قبل الصندوق في تحديد جدول زمني للانتهاء من النقاشات، وان المفاوضين يحاولون ادخال مواضيع متنوعة ومختلفة لكي يطول النقاش، كما اتضح للحكومة اللبنانية أن أقصى ما يُمكن ان تحصل عليه من الصندوق سيكون بين مليارين و ٣ مليارات دولار، وان رفع هذا المبلغ وتقصير مدة النقاشات بحاجة لرضى أميركي واضح. هذا حصل مثلا مع العراق الذي استطاع ان يرفع المبلغ من ٧ مليارات الى أكثر من ١٤ مليارا، وما حصل مع مصر والأردن… ففي كل مرة كانت اميركا الرسمية أو جهاز سي آي أي يتدخل لتحسين المبلغ ورفعه.
هنا يعود البعض الى ما يراه “أخطاء” في تعامل رئيس الحكومة د. حسان دياب مع واشنطن ، أكان في كلامه المباشرة مع وعن السفيرة الأميركية دوروثي شيا، او من خلال تصريحاته التي كان يحمّل فيها الاميركيين مسؤولية إعاقة المساعدات، أو من خلال رفضه بعض التعيينات او التجديد في المصرف المركزي وغيره ومنها مثلا قضية محمد بعاصيري، الذي كان الاميركيون متمسكين بها.
– اذا كان طرحُ أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله للتوجّه شرقا والذي تزامن مع هجمات إسرائيلية على مواقع في سورية تقول إسرائيل انها لإيران وحزب الله، ومع هجمات أكثر خطورة على منشآت نووية إيرانية في ناتنز وغيره، يهدف الى السعي لمواجهة الضغوط الاقتصادية الأميركية الخانقة وقانون قيصر، فان الحزب الذي له مع حركة امل والتيار الوطني الحر ” التأثير الأكبر” على حكومة دياب، يشعر كما خصومه بأن ثمة محاولات حثيثة لجرّ لبنان الى فتنة حقيقية كادت تنزلق الى ما هو أخطر ( خصوصا في عين الرمّانة ) ، وثمة تقارير أمنية في لبنان تقول إن احتمالات التدهور الأمني قائمة في كل لحظة لذلك يجري وضع خطط لتفاديها على أكثر من صعيد. من هنا ثمة اعتقاد عن الحزب وانصاره أن بعض الخضات تحصل على ضوء اخضر خارجي ولذلك يتأخر التعامل معها بسرعة من قبل المؤسسات الأمنية.
– تشعر الحكومة الحالية بأنها حققت “إنجازا ” لم يكن الرئيس السابق سعد الحريري قادرا على السير به، وهو وضع البلاد على سكة الحلول الاقتصادية الدولية ( عدم دفع اليوروبوندز والصندوق الدولي وما سيأتي من إجراءات تقشفية…). ويقول بعض أركانها انها بهذا المعنى تستحق التنويه لا القدح المستمر، ولعلها مقتنعة بأن دورها الحقيقي ليس انقاذ لبنان وانما ” تنظيف” الأرضية، وإزالة العقبات الدولية امام استعادة الثقة بالاقتصاد والحصول على مساعدات، وذلك بانتظار انفراجات إقليمية ودولية على ضوء الانتخابات الاميركية، التي لو حصلت ( أي الانفراجات خصوصا على الصعيد الأميركي-الإيراني) فهي ستُمهّد لحكومة أخرى قد تكون برئاسة الحريري أو غيره ( مثلا بعض انصار نجيب ميقاتي يعتبرون ان ترشيحه قد يكون ثمرة التسوية الإقليمية والدولية، كما ان حركة فؤاد مخزومي في الأسابيع الماضي تشي باعتقاده بأنه قادر على لعب دور حتى ولو ان كثيرين يعتقدون ان الحريري هو الاوفر حظا والأكثر شعبية وان المخزومي وغيره يعيشون في الاحلام وفق تعبير سياسي لبناني مقرّب من السعودية).
– أمام انسداد الأفق الحالي على المستوى الاقتصادي، واحتمالات انفجار الشارع مجددا بغضب الفقراء والعاطلين عن العمل وأيتام الطبقة السياسية وتلاعب سعر الدولار والغلاء الفاحش ، وأمام سعي بعض السياسيين والأحزاب للركوب على موجهة الغضب ( كأنهم ما كانوا سابقا مسؤولين عن الانهيار)، وصل الأمر ببعض الوزراء الى حد التفكير فعليا بالاستقالة.
ولعل منهم من ناقش الأمر مع الجهة السياسية التي ينتمي اليها. لكن الواضح أن بعض أصحاب القرار المؤثر على الحكومة وفي مقدمهم الرئيس نبيه بري والسيد نصرالله يرفضان حاليا أي اهتزاز حقيقي لحكومة دياب، وذلك خشية أن يدخل لبنان في الفراغ وتصريف الاعمال في الفترة المتبقية للانتخابات الأميركية والشهور التي تليها.
وقد عُلم ان بعض نواب حزب الله مثلا جالوا على بعض الوزراء والمسؤولين تحت شعار ”الحكومة باقية”. من هم المرشحون للاستقالة استياء؟ يتم تسريب أسماء كثيرة لكن البعض يركز خصوصا على وزراء المال والعدل والاعلام، وهذا أمر غير مؤكد لكن موقف وزيرة الاعلام السيدة منال عبد الصمد في اجتماع سد بسري كان لافتا مثلا، وكذلك استياء وزيري المال والعدل من العقبات المتكررة امام عملهما.
هل يستقيل د. حسان دياب؟ أكيد لا، فهو حقّق أولا حلما دغدغه طويلا للجلوس على كرسي رئاسة الحكومة، وقدّم تنازلات كثيرة، وتراجع أكثر من مرة أمام القوى السياسية المؤثرة على حكومته، في سبيل البقاء وتدوير الزوايا، ثم ان من يعرفه شخصيا يُدرك أنه ليس من النوع الذي يخسر بسهولة هكذا منصب أو يتخلى عنه. وهو مقتنع بأنه يؤدي دورا وطنيا رغم كل المآسي التي يشهدها لبنان حاليا.
بانتظار ما ستؤول اليه الضغوط الأميركية، فان المنطقة قد تشهد تصعيدا متقطعا ولكن خطيرا خصوصا اذا ما تبين أن إسرائيل ماضية في استهداف الداخل الإيراني، كما ان الشارع اللبناني يستعد للانتفاض مجددا، ولعل الآتي سيكون أكثر عنفا مما عرفناه سابقا وسط غياب الحلول. لهذا تسعى بعض الدول الى إدارة الازمة بأقل خسائر ممكنة وليس بأمل الحل، وبينها فرنسا التي يستقبل لبنان وزير خارجيتها بعد يومين.
المصدر: سامي كليب