كتبت عزة الحاج حسن في “المدن”: تتخذ الشركات المستوردة للنفط من السوق اللبنانية، دولة ومواطنين، مادة تجارية لها، مجرد أرقام وأرباح لا يعنيها تعطيل البلد أو شلل مؤسسات أو تقنين كهرباء، ولا حتى عرقلة عمل المستشفيات…
هذا كله يعدّه كارتيل الشركات المستوردة، ثانوياً. وحدها الأرباح تتحكم بمدّ السوق بحاجاته من المحروقات أو استمرار تجفيفة من تلك المواد الحيوية.
بعد أزمة المازوت واحتكار التجار وبعض الشركات المستوردة ملايين الأطنان في مخازنها، ورغم كل التداعيات القاسية الناجمة عن شح المازوت في السوق، لم تحرّك الحكومة أو وزارة الطاقة ساكناً، ما عزّز بطش الشركات أكثر فأكثر. وها هي تقدم على احتكار البنزين والتوقفت عن تسليمه إلى المحطات، باستثناء شركة واحدة: “كورال”.
طوابير البنزين
تعاني محطات المحروقات اليوم من نقص فادح في البنزين، فاضطر عدد كبير منها إلى الإغلاق، خصوصاً في منطقة الجنوب. ولا يقتصر السبب على نفاذ خزاناتها من البنزين فحسب،
بل من المازوت أيضاً. ويؤكد مدير سلسلة محطات محروقات في حديث إلى “المدن” أن شركات استيراد النفط تمتنع عن تسليم المحروقات للمحطات، ومنها البنزين، باستثناء شركة كورال التي تستمر بالتوزيع، “لكن الكميات لا تكفي سوى جزء ضئيل جداً من حاجة السوق”. لذلك تلجأ محطات كثيرة إلى تقنين بيع البنزين بما لا يتجاوز 20 ليتراً لكل سيارة في حين توقفت محطات كثيرة عن العمل كليّاً.
احتكار الشركات المستوردة للبنزين وتخزينه بدلاً من توزيعه يهدّد بعودة “طوابير الذل” التي أحدثتها كارتيلات المحروقات والخبز والدولار منذ بداية الأزمة الإقتصادية. وتستهدف الشركات من تخزينها المحروقات تحقيق المزيد من الأرباح أسبوعياً، وتصريف المحروقات في السوق السوداء إن في الداخل اللبناني أو عبر الحدود إلى سوريا، وفق ما يؤكد المصدر.
ويصل سعر مبيع صفيحة المازوت في السوق السوداء إلى أكثر من 25 ألف ليرة، وكذلك البنزين يباع بما يزيد عن ثمن الصفيحة في بعض القرى والمناطق الجبلية.
تواطؤ مع الشركات
ولا تقل وقاحة بعض محطات المحروقات عن وقاحة وجشع الشركات المستوردة للنفط.
فبعضها يساند موقف الشركات بالإحتكار والتخزين، مبرراً عدم استلام المحطات المحروقات خصوصاً البنزين، بذريعة أن حملات الكشف التي تمارسها القوى الأمنية والأمن العام بحق المحطات غير أخلاقية ومهينة لكرامة أصحاب المحطات. ويقول مصدر في نقابة أصحاب المحطات إن المحطات لن تتسلم البنزين ولن تبيعه اعتراضاً منها على الأسلوب غير اللائق الذي يمارسه الأمن العام للكشف على المحطات وضبط المحتكرين منها.
وكانت دوريات من قوى الأمن والأمن العام بدأت القيام بجولات في الأسابيع الأخيرة على محطات المحروقات للتحقق من حجم مخزونها والتزامها بيع المواطنين المحروقات وبالأسعار المحددة في جدول تركيب الأسعار الرسمي الصادر عن وزارة الطاقة، وتم إغلاق أكثر من محطة مخالفة على أثر حملات الكشف.
ذريعة بعض المحطات أنها حريصة على كرامتها من إهانة القوى الأمنية لها، نسفها مدير سلسلة محطات محروقات بالقول إن أصحاب بعض المحطات متواطؤ مع الشركات على تخزين واحتكار المحروقات وبيعها في السوق السوداء، لافتاً إلى مساع يقوم بها البعض للضغط باتجاه وقف جولات مراقبة الأمن العام للمحطات، بهدف استمرارهم بتخزين البنزين والمازوت وبيعه في السوق السوداء، بدليل شح المواد في السوق اللبنانية ونفاذها في بعض المناطق على الرغم من ارتفاع الكميات المستوردة بأضعاف مما يستورد سنوياً.