في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة وتزايد احتمالات الانزلاق نحو الصراع الداخلي، رأى الصحافي اللبناني علي هاشم في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أنّ واشنطن فشلت في فهم سبب تفشي النفوذ الإيراني في لبنان واتخاذ التدابير اللازمة لوقفه.
وحذّر هاشم في مقالته التي حملت عنوان “أميركا تدفع لبنان أكثر للارتماء في أحضان إيران” من أنّ ما عاشه لبنان من اضطرابات واغتيالات واحتلال وهشاشة اقتصادية على مدى عقود، لم يكن بالسوء الذي تشهده البلاد حاليا، حيث “لم يعد بإمكان اللبنانيين حتى أن يحلموا بغد أفضل”.
وأكّد هاشم أنّ الانقسامات الطائفية اللبنانية عصية على المعالجة، حيث إن ولاء معظم اللبنانيين هو أولا وقبل كل شيء للطائفة، مشيراً إلى أنّ “سياسة الضغوط القصوى التي تنتهجها واشنطن ضد إيران، وعلى حليفها حزب الله، لا تساعد بتاتا في تحسن الوضع وترتد انعكاساتها مباشرة على لبنان واللبنانيين”.
وأكّد هاشم أنّ إضعاف الدولة اللبنانية من خلال سياسة الضغوط القصوى لن يضعف حزب الله، “المدجج بشتى أنواع الأسلحة والذي خرج “منتشيا” من مغامرة دامت ثماني سنوات في سوريا يراها “انتصارا عظيما”. وقال هاشم: “فكلما غرقت البلاد في الفوضى، تعلق الناس أكثر بطوائفهم، وتحول قادتها إلى “حكام فعليين”.
ورأى هاشم أنّ مصير لبنان “الممزق” في الأجل المنظور لن يكون اندلاع حرب أهلية بل تشتت البلاد إلى مناطق اضطرابات وعنف محلية، ففي ظل غياب الدولة، ستتحول أي سلطة قادرة على احتواء الفوضى إلى سلطة الشعب المفضلة، بحسب ما توقعه.
وتابع هاشم قائلاً إنّه في الوقت ذاته، ستصب الأوضاع الحالية في مصلحة إيران التي ستعزز قوتها في الداخل اللبناني بوصفها “منقذ الطائفة الشيعية”، وكلما استمر أمد الأزمة ازداد احتمال أن تتحول لبنان فعليا إلى “دولة تابعة” للجمهورية الإسلامية.
وفي هذا الصدد، ذكّر هاشم بعروض إيران بيع النفط والبنزين والكهرباء للحكومة اللبنانية بالليرة المحلية، مشيراً إلى أنّه “كلما زادت الولايات المتحدة ضغوطها على لبنان، أتاحت فرصا أكبر لإيران لممارسة سلطتها والتأثير على دولة في طور التفكك، الأمر الذي لن يتم بالضرورة عن طريق الحكومة الإيرانية، بل من خلال حزب الله الذي تعهد “ألا يترك شيعة لبنان يموتون جوعا”.
هاشم الذي ألمح إلى أنّ “هذا الأمر بدأ فعليا يثير القلق في واشنطن، حيث أدلى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قبل أيام بتصريحات في السياق ذاته بشأن منع إيران من بيع النفط للبنان”، قال: “لكن مع تحول لبنان بشكل متسارع إلى دولة فاشلة، باتت فكرة إنشاء اقتصاد موازٍ لهذا البلد الخاضع للعقوبات تكتسب زخما، كما أن طهران يغريها هذا الخيار رغم ما تعانيه من صعوبات اقتصادية”.
ورأى هاشم أنه أصبح لإيران و”حزب الله” لهما “دور محوري في التفكير الجمعي لدى شيعة لبنان بشأن الصراع الطائفي بالمنطقة، لذلك من غير المرجح أن تتمكن واشنطن من كبح نفوذ طهران، حيث لم تنجح محاولات سابقة لتمكين المجتمع المدني الشيعي، كما أن خيار الحرب لا يمكن أن يخلق واقعا جديدا دون إغراق البلاد في ما هو أسوأ”.
وعلى الرغم مما سبق، تحدّث هاشم عن خيارات قد تسهم في احتواء النفوذ الإيراني المتزايد، “حيث بإمكان مقاربة أميركية مختلفة بشأن معالجة الصراع العربي الإسرائيلي أن تساعد، كما أن صفقة جديدة بشأن ملف إيران النووي قد تنقذ لبنان وتحدث انفراجا في علاقات واشنطن وطهران مستقبلا”.
وعليه، ختم هاشم مقاله معتبراً أنّه “لا يجب التضييق على لبنان وخنقه من خلال حملات الضغط التي لن تزيد شيعة لبنان إلا تشيعا وتجعلهم أقل ولاء إلى بلدهم، ومثلهم في ذلك السنة والدروز والمسيحيون”، قائلاً: “كما أن هذا النهج سيغري الجميع لاختيار السبيل الأسهل وهو الهروب وترك لبنان يسقط في براثن المجهول، لكن الدولة اللبنانية -وعلى عكس الأفراد- لا يمكنها الهروب من نفسها”.
المصدر: الجرية – فورين بوليسي