حتى الساعة كل المعطيات تؤكد ان السلطة غير قادرة على انتاج حل لا بل اكثر، بل انها اصبحت اسيرة كتلة من الازمات التي تكبر يوماً بعد يوماً في ظل خنوع بعضها للأمر الواقع حفاظا على بعض المكتسبات الشخصية الضيقة واستمرار بعضها الآخر في استغلال نفوذه الى اقصى حد فيما تبقى من مفاصل حكم حيث الانحياز التام لقرار ومصلحة فريق او افرقاء على حساب مصلحة الدولة.
المشكلة ان منظور الحكم التوافقي في لبنان طُبق بطريقة ملتوية ولم تكن صيغة الـ”لاغالب ولا مغلوب” سوى شعار للزينة السياسية فيما الممارسة على مر العهود السابقة وحتى يومنا هذا تظهر ان التوافق كان يتم دائما على قاعدة التنازلات الغير العادلة والتي تكشفت فصولها في محطات خطرة مر بها لبنان، وما وصلنا اليه اليوم من انعدام للتوازن الداخلي والعجز في ايلاد حلول للازمات الضاغطة وضعف في القرار المؤسساتي ليس الا نتيجة طبيعية للدفع الممنهج للدولة نحو التفكك مع اضعاف بعض مكوناتها وتعطيل دورها وترهيب المكونات الاخرى من بعضها البعض وذلك في اطار اعادة تشكيل مفهوم جديد لدولة لا تشبه ولا تراعي الكيان اللبناني.
امام هذا الواقع المأزوم تستمر حكومة دياب بشخص رئيسها في لعب دور وزير الاعلام العراقي “محمد الصحاف” ابان الغزو الاميركي للعراق في العام 2003 حينما كان يعلن فيها عن انتصارات القوات العراقية المتتالية بينما كانت القوات الاميركية البرية تتقدم بشكل مضطرد الى حدود بغداد، وهو اليوم يبرر عدم استكمال انجاز الـ 3% المتبقية من انجازاته الموعودة بوجود مخطط لعرقلة جهوده في اصلاح اقتصاد البلاد متغافلا انه لو كان لدى “المخططين” فعلا القدرة على العرقلة لكان لديهم القدرة على مساعدة أنفسهم وبالتالي جلب الدعم الخارجي والعربي تحديدا لضخ الحياة من جديد في العجلة الاقتصادية. اضف الى ذلك ، الغياب الواضح لدور الحكومة الدبلوماسي في احياء علاقات التعاون الخارجية على قاعدة الند للند. حيث يشهد لبنان منذ فترة وفي العديد من الملفات الشائكة حراك خارجي لافت وناجح يقوده اللواء عباس ابراهيم وهو امر يحسب له. ولكن الملفت اكثر زيارته الاخيرة الى دولة الكويت وما تلاها من لقاءات التي تحمل جميعها عناوين ذات طابع سياسي وليس طابعاً امنياً. بما يطرح علامة استفهام كبيرة عن دور الدبلوماسية الحكومية وايضا البرلمانية وهل حلت مكانها الدبلوماسية الامنية .
بالمحصلة وبالعودة للمعطيات التي تحيط بالوضع اللبناني، يتضح ان حصول انهيار للبنان بالنسبة للخارج لم يعد ذلك “البعبع” الذي قد يدفعه للتعديل في مواقفه والهرولة سريعا لتقديم الدعم والمساعدة دون شروط لتجنيبه الانهيار، فسلم اولويات الخارج تبدل تبعا لتبدل مصالحه لاسيما المصالح الاوروبية والخليجية وبات لزاما على لبنان ان يساعدهم حتى يساعدوه على حد تعبير وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان مؤخرا. من هنا، وبين الاقفال الخارجية وبين الاقفال الداخلية وفي ظل سوء ادارة واضح للحكم تبقى الخشية كل الخشية ان نصحو ذات يوم كما صحت العراق على صوت “الصحاف” في العام 2003 حين أعلن ان “الاميركيين ينتحرون بالآلاف على اسوار بغداد” في حين ان الحقيقة كانت سقوط العاصمة بغداد.
(ميرفت ملحم ـ محام بالاستئناف)
المصدر: لبنان 24