في موازاة ذلك، أعلنت طهران عن اتفاقية عسكرية مع النظام السوري، في إشارة إلى أن محاولات إخراجها من سوريا فاشلة، وهي ماضية بتوسعها وانتشارها العسكري ولن تتخلى عن نفوذها هناك.
حزب الله في لبنان ثبّت حكومته مفشلاً محاولات تغييرها. بل هو وضع نفسه في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية، التي لم تعد تخوض معاركها بالواسطة.
وهذا يعني أن إيران لا تريد نقل المعركة إلى أراضيها التي تتلقى فيها ضربات مباشرة. وهي تفعل ذلك كي لا تتعرض إلى ما تعرضت له سوريا. لكن لا بد من تقديم تنازل في مسألة معينة، والقبول بالذهاب إلى المفاوضات.
جولة السفيرة
تعرف إيران وحلفاءها كيفية إظهار أنهم منتصرون، فيما يقدمون تنازلات تضعهم في خانة المتراجعين. وهذا ما ظهر في كلمة أمين عام حزب الله، حين قال إنه لا يريد إدارة ظهر لبنان للغرب، ويرحب بالمساعدات الأميركية.
وبعد كلام نصر الله – الخبير في اختيار توقيت كلماته، عقب تلقيه معطيات ومعلومات عما يجري في الخارج ويؤثر على لبنان – تحرك ديبلوماسيون على خط تهدئة الأوضاع بما فيهم السفيرة الأميركية، التي خففت تصريحاتها التصعيدية والتهديدية. فبحثت السفيرة مع رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة كيفية توفيرالاستثناءات ليمكين لبنان من الحصول على المساعدات الغذائية والاحتياجات الضرورية، ولو عبر سوريا.
نصر نصرالله
وظهر نصر الله بطروحاته كأنه أجبر أميركا على التراجع والرضوخ لأمر واقع، بفرضه استمرار الحكومة، وتعامل أميركا معها، بعدما كانت السفيرة الأميركية قد قالت إنها انتهت. وبدا نصرالله وحكومته وكأنهما أجبرا الأميركيين على البحث في تقديم المساعدات أو الاستثناءات.
هذه الصورة ترفع معنويات بيئة حزب الله التي تسكرها مثل هذه الانتصارات، فيما تحبط خصوم الحزب إياه جمهوراً وسياسيين، ويشعرون بخيبة آمالهم.
لن يجوع حزب الله
ليست هذه الصور سوى من مادة الأوهام في منطقة تعيش على صراعات يبحث كلٌ من أطرافها عن انتصار وهمي – معنوي. فيما هو واقعياً يغرق في الضياع، وتتصدع دول ومجتمعات وتنهار بمؤسساتها وتُسحق شعوبها. وهذه حال القوى المحلية المتصارعة في المشرق العربي كله، والتي تدعي حماية مصالح الشعوب. وليست القوى الدولية بريئة من هذا كله، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، التي ترفع منسوب تصعيدها إلى أقصى الحدود، موهمة حلفاءها واصدقاءها أنها لن تتراجع عن تصعيدها. لكنها ما أن يتحقق شطراً من مطالبها، حتى تبرم اتفاقاً.
التعبير الأمضى عن هذه السياسات الانحدارية، ما حصل بين السفيرة الأميركية ورئيس الحكومة حسان دياب: هي تصعّد ضده وتوصل له رسائل تهديد وتأنيب، وهو يتباهى بعدم رده، أو لا يبالي. ويرسل إلى حزب الله مضمون بطولته، ثم يعلنها بفمه الملأن من دار الفتوى.
وبعد لقائه السفيرة ومطالبته بالحصول على مساعدات واستثناءات وتخفيف الضغوط، خرج ملوحاً بأن اللقاء كان أكثر من إيجابي. فارتاح حزب الله للمشهد: لا يمكن لواشنطن أن تحقق أكثر. وأقصى ضغوطها لن تجوّعه، بل تسهم في انهيار لبنان. فالحزب يحافظ على مخزونه الخاص ويوفر المزيد منها عبر حدوده المفتوحة مع سوريا الأسد والعراق وإيران.
السعودية هلى الهامش
والمشهد يظهر نصر الله في صورة المؤثر في المعادلات الدولية. فتلويحه بالحصول على النفط الإيراني استنفر واشنطن. وجاء الوفد العراقي معلناً استعداد بلاده لبيع النفط للبنان. وهذه خطوة لا يقدم عليها العراق بلا إشارة أميركية. وتحدثت معلومات عن زيارة أمير قطر بيروت، للبحث عن مخارج ومساعدات، فظهر نصر الله وكأن كلماته وتصعيده، دفعت الأميركيين إلى إرسال حلفائهم إلى بيروت للمساعدة، كي لا يُترك لبنان لسيطرة إيران وحدها.
حزب لله مستفيد في كلتا الحالتين. فلبنان الذي يسيطر عليه وعلى حكومته سيحصل على جرعة تنفس اصطناعي. ويبدو نصر الله أنه أحلّ العراق وقطر في لبنان على حساب السعودية، فغدا تحرك الديبلوماسية السعودية في لبنان خارج سياق الأحداث.
أهل الخيبات
خصوم حزب الله ومن راهن على الضغط الأميركي، يعيشون على قلق السؤال: ماذا بعد هذا كله؟ هل هناك ما يتغير في الاقليم؟
الجواب يتضح في الأيام المقبلة. لكن ليست هذه المرة الأولى التي يخيب فيها ظن حلفاء واشنطن بها: من تجربة العام 2005 إلى 2009، إلى الثورة السورية ومواقف أميركا منها، ومن الأكراد، ومن تركيا إلى دول الخليج عندما تخلت عنهم وفوضت إيران شؤون المنطقة مقابل الاتفاق النووي.
لكن التطورات لا تزال في بداياتها. الغاية هي الوصول إلى تفاهمات وتنازلات جدية تتعلق بترسيم الحدود والصواريخ الدقيقة وضبط حركة المعابر بين سوريا ولبنان.
والهدف الأساسي هو أمن إسرائيل واستقرارها. وهذه مواضيع كانت حاضرة في لقاءات السفيرة الأميركية مع الرئيس نبيه بري ومع رئيس الحكومة، وهي حاضرة يومياً في الاتصالات بين السفارة الأميركية وفريق رئيس الجمهورية.
المصدر: ليبانون فايلز