صحوة وزير الاقتصاد المتأخرة حيال دعم السلة الغذائية التي دخلت آليتها حيز التنفيذ قد لا تكون سيئة الى حد ما، لكن التساؤلات حيال مدى التطبيق الفعلي لقرارات كهذه تبقى مشروعة، فهل سينفذ المعنيون ما وعدوا به ويراقبون مدى التزام المحلات التجارية والسوبر ماركت بالاسعار؟ وهل سيقطعون الطريق على من يستغل الدعم لتحقيق المزيد من الارباح،
خاصة وان الفساد في لبنان يسرح ويمرح في الاقتصاد والمال اسوة بالسياسة؟
لن تجد إجراءات السلة الغذائية تطبيقاً فعلياً ولن تبدأ الأسعار بالهبوط إلا بعد بدء استيراد المواد الغذائية المشمولة بالسلة، اي بعد فقدان المواد الاستهلاكية من الأسواق وبدء معاملات الاستيراد الجديدة على أساس سعر الدولار المدعوم، يقول نائب رئيس لجنة حماية المستهلك في نقابة المحامين المحامي عيسى نحاس لـ “لبنان24″؛ فليس هناك من وقت محدد لبدء هذه العملية، والأمر منوط بمدى توفر المواد الموجودة في السوق وتأمين المستندات والاعتمادات وقد يستغرق شهراً أو اكثر أو اقل.
ولا شك في أن الآلية المعتمدة يشوبها العديد من الثغرات ليس فقط لأنها تتم عبر الشركات المستوردة وهي صاحبة المصلحة بجني الأرباح، بل لأن الدولة عطفا على كل قراراتها سلمت أمر القطاعات إلى أفراد وشركات خاصة، عوض أن تكون صاحبة الڜأن وهي مالكة الوسائل والطاقات وكأننا في دولة عاجزة ومستسلمة كما فعلت في ازمة صرف العملة الوطنية، حيث تنازلت عن سلطاتها وواجباتها لدكاكين الصيرفة،
فباتت الشركات والافراد بالنسبة للمواطن اقوى من الدولة العنصر الأضعف في المجتمع اللبناني، يقول نحاس.
وليس بعيدا يظن البعض أن الدعم من شأنه أن يلغي التنافس وبالتالي سباق التجار على خفض الاسعار ، في حين أن نحاس يشير الى أن عامل المنافسة يمكن أن يستمر،
إذ يسعى التجار إلى تخفيض سعر المنتوجات على رغم الدعم بهدف بيع سلعهم عند اكبر شريحة ممكنة، إلا أن الثغرة الأساس تكمن في الرقابة على الأسعار وفاعلية هذه الرقابة في ظل عجز أجهزة وزارة الاقتصاد وحماية المستهلك والبنك المركزي عن الملاحقة والمراقبة والمعاقبة. فوزارة الاقتصاد تعاني من عدم فعالية في الملاحقة وحماية المستهلك مما سيجعل المخالفين من دون عقاب،
خاصة وان لبنان يعاني من غياب خطة لحماية النقد الوطني مسّلماً صلاحية العمل بالنقد الوطني إلى صرافين وتندرج السلة الغذائية في هذا الإطار إذ انها تدفع مئات من مستوردي المواد الغذائية غير المدعومة إلى الصرافين.
واذا كانت المواد الغذائية التي تتضمنها السلة محصورة ومحددة فإن الشركات الغذائية التي توزع المواد غير المشمولة بالسلة، سوف تتوجه بحسب نحاس، إلى الصرافين لشراء الدولارات من أجل استيراد المنتوجات ما سيرفع سعر الصرف لدى الصرافين ويرفع قيمة المواد الغذائية غير المشمولة ويعزز السوق السوداء للعملة الأجنبية، فضلاً عن أن إمكانية الدعم المحدودة ستتلاشى بتلاشي المبالغ المرصودة مما سيعيد حتى المواد المشمولة بالسلة إلى الارتفاع حسب سعر الدولار في السوق السوداء بتوقف الدعم.
وأمام هذا الواقع المأزوم على الصعد كافة الاقتصادية والمالية والمعيشية والاجتماعية، بدأت بعض الأوساط تتحدث عن ضرورة تصحيح الأجور، خاصة وان الحد الادنى للاجور لم يعد يساوي شيئا،
بيد أن نحاس يرى أن تصحيح الرواتب والأجور أمر شبه مستحيل في ظل إفلاس الدولة ورد العجز في جزء منه بعد الفساد وانعدام السياسات الاقتصادية إلى سلسلة الرتب والرواتب الأخيرة، كما أن القطاع الخاص يشكو من الشلل بفعل التضخم وانعدام الأسواق والشح في الأموال والعملات الأجنبية.
وسط هذا المشهد، فإن الحل الجذري للازمة الراهنة يستدعي ،
بحسب نحاس، القيام بإصلاحات بنيوية عبر حصر صرف العملات الأجنبية بالدولة عبر منصة موحدة تتم من خلالها عمليات الصرف ومصادرة أو شراء العملات الأجنبية من الصرافين ومنعهم من تخزينها المخالف للقانون وإصلاح القطاع المصرفي لإعادة الثقة به وإنتاج سياسة اقتصادية قطاعية تقوم على دعم الزراعة والصناعة واستثمار الثروات لا سيما المياه والنفط والغاز، وتفعيل دور القضاء وإصلاحه وتعزيز استقلاليته ومحاربة الفساد.