من نكد الأزمة والحظ السيئ للبنانيين أن تعكف الحكومة، ويصدف أنها حكومة تنظيف وسخ الحكومات السابقة، على فتح باب الإصلاح في “كهرباء لبنان” عبر تعيين أعضاء مجلس الإدارة المتأخّر 15 عامًا وتعديل قانون الكهرباء في الوقت الذي يغرق فيه لبنان في عتمة مريعة وصلت الى حدّ تقنين لامس أبواب المستشفيات، وأن تباشر العمل في السلّة الغذائية الموسّعة المدعومة في الوقت الذي يحتاج فيه اللبنانيون الى عصا سحرية تلجم الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الحياتية الضرورية!
على الأرجح لم يتابع اللبنانيون المفجوعين بـ “طيران” الدولار والارتفاع الفاحش للأسعار المداولات المقرفة لتعيين أعضاء مجلس إدارة الكهرباء ومفاوضات “تشليح” الهيئة الناظمة (هيئة تنظيم قطاع الكهرباء) صلاحياتها بهدف أبقاء موقع وزير الطاقة محصّنًا ضمن وزارته من “أمرة” أعضاء الهيئة عليه.
صراعٌ استمر لنحو عقدين عنوانه فركشة الإصلاحات في قطاع الكهرباء، واليوم يُفتح الملف مجددًا تحسّبًا من غضب صندوق النقد الذي يشترط القيام بالاصلاحات اللازمة قبل التمويل وصرف دولار واحد على القطاع.
هذا شئ ونار الأسعار شئ آخر. باتت ورشة إصلاح القطاع الكهربائي الأكثر من ملحّة ترفًا أمام المواطن الذي يدخل سوبر ماركت أو أحد المحال التجارية المتواضعة ليتحوّل بقدرة قادر الى ما يشبه “الفروج” الذي “يبرم” فوق نار “تشويه” على البطيئ!
منذ نحو أسبوعين معظم المواد والأصناف على رفوف المحال التجارية قد سعّرت على سعر صرف الدولار بقيمة تتراوح بين تسعة آلاف وعشرة آلاف ليرة لبنانية.
حتى المياه غير المدعومة بوصفها منتج محلي قفز سعرها في اليومين الماضيين أكثر من 100%.
باتت أي عائلة لبنانية تشرب مياه “جبال العز والكرامة” بما لا يقل عن عشرة آلاف يوميًا، أي بمعدل يتراوح بين 70 ألف و100 ألف ليرة أسبوعيًا.
نتحدّث عن المياه فقط.
حتى المشروبات الغازية، مشروب الفقراء، دوبل سعرها. و”تشيبس” الجلسات العائلية المنزلية لدى الفئات غير القادرة على إحتساء حتى قهوة في كافيه متواضع حلّقت اسعارها بما يوازي 8 أضعاف سعرها الحقيقي!
التجارب المتتالية مع تعاميم مصرف لبنان سيّئة للغاية. باتت هذه التعاميم رديفًا لإحباط حقيقي. آخر هذه التعاميم بشّرت بدعم السلّة الغذائية عبر تأمين الدولارات لمستوردي ومصنّعي المواد الغذائية الأساسية والمواد الأولية على أساس سعر صرف 3900 ليرة لبنانية للدولار.
أما الآلية فهي عبر تقديم التجار الطلبات وتسديد قيمتها بالليرة اللبنانية إلى المصارف التي تسلّمها بدورها إلى مصرف لبنان،
فيقوم الأخير بتحويل قيمتها بالدولار إلى حساب المصرف المعني لدى المصرف المراسل المعتمد لديه، وفق ما جاء في التعميم.
يحدث ذلك في ظل مناخ من إنعدام الثقة ووضع أكثر من كارثي يتجلّى في ازدياد حالة التضخّم والفشل المستمر في كبح جماح السوق السوداء مع تقديرات مالية تؤكّد أن الفجوة بين العرض والطلب لا تزال كبيرة ومن الصعب تقليص مساحتها، وتخوّف من انفلات الوضع في حال فشل مشروع “السلّة” بسبب عدم القدرة على الاستمرار في ظل جنون الدولار.
يقول نائب رئيس لجنة حماية المستهلك في نقابة المحامين المحامي عيسى نحاس أن “السلة الغذائية المدعومة قد لا تكون فعالة. فالمواد الغذائية التي تتضمّنها السلّة محصورة،
مما سيدفع الشركات الغذائية التي توزّع المواد غير المشمولة بالسلّة إلى التوجّه إلى الصرافين وشراء الدولارات لاستيراد المنتوجات ما سيرفع سعر الصرف لدى الصرافين ويرفع قيمة المواد الغذائية غير المشمولة ويعزّز السوق السوداء للعملة الأجنبية.
فضلاً عن أن إمكانية الدعم المحدودة ستتلاشى بتلاشي المبالغ المرصودة مما سيعيد حتى المواد المشمولة بالسلّة إلى الارتفاع حسب سعر الدولار في السوق السوداء مع توقف الدعم، وهذا أمر متوقع حصوله”.
يضيف نحاس “كما وأن الدعم بقيمة 3.900 ل.ل.للدولار
يعني أن السلع سترتفع حكماً بمعدل 2.6 أضعاف في حين أن الأجور والمداخيل على حالها، كما ان السلع الأخرى سترتفع ستة أو سبعة أضعاف على الأقل”.
ويسلّط نحاس الضوء على “وزارة الاقتصاد بالنظر الى تجاربها المخيّبة للآمال في ما يتعلّق بعدم فعاليتها في الملاحقة وحماية المستهلك، وهذا العجز قد يستمر ضمن عملها في مراقبة آلية تطبيق السلّة الغذائية، مما سيجعل المخالفين دون عقاب ويفتح المجال لكبار المستوردين في المتاجرة بأموال وقدرات اللبنانيين بغية تحقيق المزيد من الأرباح”، مؤكّدًا أن “لبنان يعاني من غياب خطة لحماية النقد الوطني مسلّماً صلاحية العمل بالنقد الوطني إلى صرّافين وتندرج السلة الغذائية في هذا الإطار إذ تدفع مئات من مستوردي المواد الغذائية غير المدعومة إلى الصرافين”.
ويرى نحاس “أن هذا الإجراء من جانب الحكومة ومصرف لبنان هو مجرد ترقيع لمشكلة بنيوية تتعلّق بفشل الدولة وتنازلها عن صلاحيتها بادارة السياسة النقدية وتسليمها الى الصرافين وإضفاء الصفة الرسمية على أعمالهم”.
لكن مصادر مواكبة لمشروع اعتماد السلّة الغذائية تؤكّد أن “الأسعار ستنخفض بما لا يقلّ عن 50% بالحدّ الأدنى،
وسيلمس اللبنانيون هذا الأمر خلال أسبوعين، بحيث ستنضمّ باقة الـ 30 سلعة المدعومة على سعر 3200 الى مجمل السلّة والتي تضمّ 250 سلعة مدعومة على سعر 3900”.
وتشير المصادر الى أن “السلّة الغذائية المدعومة والتي يوازي حجمها الـ 2 مليار ستخفّض من نسبة الطلب على الدولار”.
وتلفت أوساط مطلعة الى أن الاجتماعات المتتالية في الأيام الماضية وعلى أكثر من جبهة أشّرت الى تفاؤل حكومي بانخفاض مستمر في سعر صرف الدولار”، مؤكدة أن هذا “المسار في تخفيف الأعباء الهائلة عن كاهل المواطنين بفعل فلتان سعر الدولار سيفرض بالقوة ومهما كلّف الأمر ويعتبره رئيس الحكومة حسان دياب من أولوية الأولويات خصوصًا أنه سيقلّص من حجم التعاملات في السوق السوداء”.
ويجزم مطلعون “أن تطبيق السلّة الغذائية سيترافق مع غرفة عمليات تراقب الالتزام بهذه الآلية من لحظة وصول البضائع الى المرفأ مرورًا باستلامها من قبل تجار الجملة وتوزيعها على المحال التجارية وصولًا الى المستهلك، منعًا للتهريب والاحتكار”.
المصدر: ليبانون ديبايت